و نظر شخص من أهل الشام إلى السیدة الزکیة فاطمة بنت الإمام الحسین علیه السلام فقال لیزید: هب لی هذه الجاریة لتکون خادمة عندی.
و قد ظن أنها من الخوارج فیحق له أن تکون خادمة عنده، و لما سمعت العلویة ذلک، سرت الرعدة بأوصالها، و أخذت بثیاب عمتها مستجیرة بها.
فانبرت العقیلة و صاحت بالرجل: «کذبت و لؤمت، ما ذلک لک، و لا لأمیرک«.
و استشاط الطاغیة غضبا من استهانة العقیلة به و تحدیها لشأنه، فقال لها: کذبت، إن ذلک لی، ولو شئت لفعلت.
فنهرته العقیلة و وجهت له سهاما من منطقها الفیاض قائلة: «کلا والله ما جعل لک ذلک، إلا أن تخرج من ملتنا، و تدین بغیر دیننا..«.
و فقد الطاغیة إهابه، فقد أهانته أمام الطغمة من أهل الشام فصاح بالحوراء: إیای تستقبلین بهذا، إنما خرج من الدین أبوک و أخوک.
و لم تحفل العقیلة بسلطانه و لا بقدرته على البطش و الانتقام، فردت علیه بثقة: «بدین الله و دین أبی و جدی اهتدیت أنت و أبوک إن کنت مسلما..«.
و أزاحت العقیلة بهذا الکلام الذی هو أشد من الصاعقة الستار الذی تستر به الطاغیة من أن الإمام الحسین و أهل بیته من الخوارج، فقد استبان لأهل الشام أنهم ذریة رسول الله، و أن یزید کاذب بادعائه.
وصاح الرجس الخبیث بالعقیلة: کذبت یا عدوة الله.
و لم تجد العقیلة جوابا تحسم به مهاترات الطاغیة، غیر أن قالت: «أنت أمیر مسلط، تشتم ظلما، و تقهر بسلطانک..«.
و تهافت غضب الطاغیة و أطرق برأسه إلى الأرض، فأعاد الشامی کلامه إلى یزید طالبا منه أن تکون بنت رسول الله صلى الله علیه و آله خادمة عنده فصاح به یزید: وهب الله لک حتفا قاضیا (1)
لقد احتفظت عقیلة الوحی بقواها الذاتیة، و إرادتها الواعیة الصلبة التی ورثتها من جدها الرسول صلى الله علیه و آله، فقابلت الطاغیة بهذا الکلام المشرف الذی حققت به أعظم الانتصار.
یقول بعض الکتاب: و قد حققت زینب سلام الله علیها ـ و هی فی ضعفهاـ و استکانتها أول نصر حاسم على الطغاة و هم فی سلطانهم و قوتهم، فقد أفحمته المرة بعد المرة، و قد أظهرت للملأ جهله، کما کشفت عن قلة فقهه فی شؤون الدین، فإن نساء المسلمین لا یصح مطلقا اعتبارهن سبایا، و معاملتهن معاملة السبی فی الحروب (2)
و أکبر الظن أن کلام الشامی کان فاتحة انتقاد لیزید، و بدایة لتسرب الوعی عند الشامیین، و آیة ذلک أنه لم یکن الشامی بلیدا إلى هذا الحد، فقد کان یکفیه رد الحوراء علیه و على یزید، و مقابلتها لیزید بالعنف الذی أخرجته من ربقة الإسلام إن استجاب لطلب الشامی، و هذا مما یشعر أن طلبه کان مقصودا لأجل فضح یزید.
1) تاریخ الامم و الملوک: 6: 265.
2) حیاة الإمام الحسین بن علیعلیهماالسلام: 3: 390.
