و تلبدت الأجواء السیاسیة على الطاغیة، و حار فی أمره فقد فضحته العقیلة بخطابها الخالد، و جردته من السلطة الشرعیة، و أخذت الأوساط الشعبیة فی دمشق تتحداه و تنقم علیه جریمته النکراء بإبادته لعترة رسول الله صلى الله علیه و آله، فأخذ یلتمس له المعاذیر، فقال لأهل الشام: أتدرون من أین أتى ابن فاطمة، و ما الحامل
له على ما فعل، و ما الذی أوقعه فیما وقع؟
ـ لا.
ـ یزعم أن أباه خیر من أبی، و امه فاطمة بنت رسول الله خیر من امی، و أنه خیر منی، و أحق بهذا الأمر، فأما قوله: أبوه خیر من أبی، فقد حاج أبی أباه إلى الله عزوجل، و علم الناس أیهما حکم له، و أما قوله: امه خیر من امی، فلعمری أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله علیه و آله، خیر من امی، و أما قوله: جده خیر من جدی، فلعمری ما أحد یؤمن بالله و الیوم الآخر و هو یرى أن لرسول الله صلى الله علیه و آله فینا عدلا، و لا ندا.. ولکنه إنما أتى من قلة فقهه، و لم یقرأ قوله تعالى: (و الله یؤتی ملکه من یشاء) (1)
لقد حسب الخبیث أن منطق الفضل عند الله تعالى إنما هو الظفر بالملک و السلطان، فراح یبنی تفوقه على الإمام بذلک، و لم یعلم أن الله تعالى لا یرى للملک أی قیمة، فإنه یهبه للبر و الفاجر.
لقد تخبط الطاغیة، و راح یبنی مجده الکاذب على تغلبه و قهره لسبط رسول الله صلى الله علیه و آله، و قد خاب فکره و ضل سعیه، فقد انتصر الإمام فی ثورته انتصارا لم یحرزه أی فاتح على وجه الأرض، فها هی الدنیا تعج بذکره، و ها هو حرمه یطوف به المسلمون کما یطوفون ببیت الله تعالى، و لیس هناک ضریح على وجه الأرض أعز و لا أرفع من ضریح أبی الأحرار، فکان حقا هذا هو النصر و الفتح.
1) تاریخ الامم و الملوک: 6: 226. البقرة 2: 247.
