جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

ابن زیاد فی الکوفة

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و سار ابن زیاد إلى الکوفة و قد قطع الطریق بسرعة خاطفة فکان یسیر لیلا و نهارا مخافة أن یسبقه الحسین إلیها، و قد صحب معه خمسمائة رجل من أهل البصرة کان فیهم شریک بن الأعور الحارثی و هو من خلص أصحاب الإمام الحسین (1) و قد لبس ثیابا یمانیة و عمامة سوداء لیوهم من رآه أنه الحسین، و دخل الکوفة

مما یلی النجف، و أسرع نحو قصر الإمارة و هو فزع مذعور مخافة أن یعرفه الناس، وساءه أشد ما یکون الاستیاء من تباشیر الناس بقدومه ظانین أنه الحسین.

و انتهى ابن مرجانة إلى باب القصر فوجده مغلقا، و النعمان بن بشیر حاکم الکوفة قد أشرف من أعلى القصر، و قد توهم أن القادم هو الحسین لأن أصوات الجماهیر قد تعالت بالترحیب به و الهتاف بحیاته فانبرى مخاطبا له: ما أنا بمؤد إلیک أمانتی یا بن رسول الله، و ما لی فی قتالک من إرب.

و لمس ابن مرجانة الضعف و الانهیار فی کلام النعمان فصاح به: افتح لا فتحت فقد طال لیلک.

و لما تکلم عرفه الناس فصاحوا إنه ابن مرجانة و رب الکعبة، و جفل الناس و خافوا و هربوا مسرعین إلى دورهم. و بادر ابن زیاد فی لیلته فاستولى على المال و السلاح، و أنفق لیله ساهرا قد جمع حوله عملاء الحکم الاموی و هم یحدثونه عن الثورة، و یعرفونه بأعضائها البارزین، و یضعون أمامه المخططات الرهیبة للقضاء علیها.

و قام ابن زیاد فی الصباح الباکر فأمر عملاءه بجمع الناس فی المسجد الأعظم، فاجتمعت الجماهیر الحاشدة و قد خیم علیها الذعر و الخوف، و خرج ابن زیاد متقلدا سیفه و معتما بعمامة، فاعتلى المنبر و خطب الناس، و کان من جملة خطابه: «أما بعد: فإن أمیرالمؤمنین یزید ـ أصلحه الله ـ و لآنی مصرکم و ثغرکم و فیئکم، و أمرنی بإنصاف مظلومکم و إعطاء محرومکم، و الإحسان إلى سامعکم و مطیعکم، و بالشدة على مریبکم، فأنا لمطیعکم کالوالد البار الشفیق، و سیفی و سوطی على من ترک أمری و خالف عهدی، فلیتق امرؤ على نفسه الصدق ینبئ عنک لا الوعید..» (2)

و قام بنشر الإرهاب و إشاعة الخوف بین الناس، و یقول بعض المؤرخین: إنه لما أصبح ابن زیاد ـ بعد قدومه إلى الکوفةـ صال و جال و أرعد و أبرق، و أمسک جماعة من أهل الکوفة فقتلهم فی الساعة.. (3)

و فی الیوم الثانی أمر بجمع الناس، و خرج إلیهم بزی غیر ما کان یخرج به، فخطب خطابا عنیفا تهدد فیه و توعد، و قال:

»أما بعد: فإنه لا یصلح هذا الأمر إلا فی شدة من غیر عنف ولین من غیر ضعف، و أن آخذ البریء بالسقیم، و الشاهد بالغائب، و الولی بالولی…«.

فرد علیه رجل من أهل الکوفة یقال له أسد بن عبدالله المری قائلا: أیها الأمیر، إن الله تبارک و تعالى یقول: (و لا تزر وازرة وزر أخرى) (4) إنما المرء بجده، و الفرس بشده، و علیک أن تقول علینا أن نسمع، فلا تقدم فینا السیئة قبل الحسنة.

و أفحم ابن زیاد فنزل عن المنبر و دخل قصر الإمارة (5)


1) تاریخ الامم و الملوک: 6: 199.

2) مقاتل الطالبیین: 97.

3) الفصول المهمة: 197.

4) الأنعام 6: 164. الإسراء 17: 15. فاطر 35: 18. الزمر 39: 7.

5) الفتوح: 5: 39 و 40.