و أکبر موبقة اقترفها معاویة ضد الإسلام و المسلمین اغتیاله لسبط رسول الله صلى الله علیه و آله الإمام الحسن علیه السلام الذی أعطاه عهدا بأن تکون الخلافة له من بعده إلا أنه خان بعهده، و راح ینشئ دولة امویة تنتقل بالوراثة إلى أبنائه و أعقابه.
و قد وصفه (المیجر أوزبورن) بأنه مخادع و ذو قلب خال من کل شفقة، و أنه کان لا یتهیب من الإقدام على أیة جریمة من أجل أن یضمن مرکزه، فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه، و هو الذی دبر تسمیم حفید الرسول صلى الله علیه و آله، کما تخلص من مالک الأشتر قائد علی بنفس الطریقة (1)
و استعرض الطاغیة السفاک المجرمین لیعهد إلى أخسهم باغتیال ریحانة
رسول الله صلى الله علیه و آله، فلم یجد أحدا خلیقا باقتراف هذه الجریمة سوى جعدة بنت الأشعث، فهی من بیت جبل على الجریمة و طبع على الغدر و الخیانة، فأرسل إلى مروان بن الحکم سما فاتکا کان قد جلبه من ملک الروم، و أمره بإغراء جعدة بالأموال و زواج ولده یزید إن استجابت له، و عرض علیها مروان ذلک فاستجابت له فأخذت السم و دسته للإمام، و کان صائما فی وقت شدید الحر، و ما إن وصل السم إلى جوف الإمام حتى تقطعت أمعاؤه.
فالتفت علیه السلام إلى الخبیثة الماکرة و قال لها: «قتلتینی قتلک الله، و الله لا تصیبن منی خلفا، لقد غرک ـ یعنی معاویةـ و سخر منک، یخزیک الله و یخزیه..» (2)
و أخذ ریحانة رسول الله صلى الله علیه و آله یعانی من شدة السم و قسوته و کان یتقیأ قطعا من الدم فی طشت، فدخلت علیه شقیقته سیدة النساء العقیلة، فأمر برفع الطشت لئلا ترى ما فیه فیذوب قلبها، فنظرت العقیلة إلى أخیها و هو مصفر الوجه قد فتک السم به، فانهارت قواها، و طافت بها موجات مذهلة من الألم و الحزن، فقد علمت أن أخاها سیفارقها عما قریب.
و أخذ الإمام یقبل أخوته و خلص أصحابه و هو یوصیهم بمکارم الأخلاق، و محاسن الأعمال، و تقوى الله، و الاجتناب عن معاصیه، و اشتدت حالته، و أخذ یتلو آیات من کتاب الله العزیز و یطلب من الله تعالى أن یجعله فی أعلى مراتب المتقین و الصالحین، و وافاه الأجل المحتوم و لسانه لهج بذکر الله، و قد سمت روحه العظیمة إلى بارئها و هی ملیئة بالآلام التی عانتها من معاویة العدو الماکر للإسلام.
و قام الإمام الحسین علیه السلام بتجهیز جثمان أخیه، و بعد الانتهاء من مراسیم الغسل
و التکفین رأى الإمام أن یدفن أخاه بجوار جده رسول الله صلى الله علیه و آله، فمنعته بنو امیة و قد استعانوا بعائشة، فقد خرجت على بغل و هی تقول: «لا یدفن الحسن بجوار جده أو بیتی هذه«، و أومأت إلى شعر رأسها و صاحت بالهاشمیین: «لا تدخلوا بیتی من لا احب«، و کادت الفتنة أن تقع و تراق الدماء.
فعدل الإمام عن دفن أخیه بجوار جده و دفنه فی البقیع، و قد ذکرنا الأحداث التی رافقت دفن الإمام الحسن علیه السلام فی کتابنا (حیاة الإمام الحسن) فلا نرى حاجة لذکرها.
1) روح الإسلام: 295.
2) تحف العقول: 391.