جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

انتخاب عثمان و حکومته

زمان مطالعه: 4 دقیقه

و اجتمع أعضاء الشورى فی بیت المال، و قیل فی بیت مسور بن مخرمة، و تداولوا الحدیث عمن هو أحق بأمر المسلمین، و کثر الجدل فیما بینهم، فانبرى الإمام أمیرالمؤمنین فحذرهم من الخلاف و الفتنة إن استجابوا لعواطفهم، و لم یؤثروا المصلحة العامة للمسلمین قائلا:

»لم یسرع أحد قبلی إلى دعوة حق وصلة رحم و عائدة کرم، فاسمعوا قولی، وعوا منطقی عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا الیوم تنتضی فیه السیوف،

و تخالف فیه العهود حتى یکون بعضکم أئمة لأهل الضلال و شیعة لأهل الجهالة«.

و لم یعوا منطق الإمام و نصیحته، فقد استجابوا لعواطفهم، و کان الامویون قد حفوا بأهل الشورى و هم یقدمون لهم الوعود المعسولة إن انتخبوا عمیدهم عثمان.

و انقضت الثلاثة أیام التی حددها عمر و لم ینتخب أعضاء الشورى أحدا منهم، فحذرهم أبوطلحة الأنصاری و جعل یتهددهم و یتوعدهم إن لم ینتخبوا أحدا منهم، و انبرى طلحة فوهب حقه لعثمان لأنه کان شدید الکراهیة للإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام لأنه نافس ابن عمه أبابکر على الخلافة، و وهب سعد بن أبی وقاص حقه لابن عمه عبدالرحمن بن عوف، و أصبح رأیه هو الفیصل لأن عمر وضع ثقته به، و کان رأیه مع عثمان لأنه صهره و قد زهده القرشیون فی الإمام و حرضوه على انتخاب عثمان؛ لأنه یحقق رغباتهم و أطماعهم، و أمر عبدالرحمن مسورا بإحضار الإمام أمیرالمؤمنین و عثمان بن عفان، فلما حضرا عنده فی الجامع النبوی التفت إلى الحاضرین فقال لهم: «أیها الناس، إن الناس قد اجتمعوا على أن یرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم فأشیروا علی«.

و انبرى الطیب ابن الطیب عمار بن یاسر فأشار علیه بما یضمن للامة مصالحها و یصونها من الاختلاف و الفرقة قائلا: «إن أردت أن لا یختلف المسلمون فبایع علیا«.

و أید المقداد مقالة صاحبه عمار فقال: «صدق عمار إن بایعت علیا سمعنا و أطعنا…«.

و شجبت الاسر القرشیة المعادیة للإسلام و الحاقدة علیه مقالة عمار، و رشحت عمید الامویین عثمان بن عفان، و قد کان الممثل لها عبدالله بن أبی سرح فخاطب ابن عوف قائلا: «إن أردت أن لا تختلف قریش فبایع عثمان«.

و کأن شؤون الخلافة و مصیر المسلمین موکول إلى قریش و هی التی حاربت

رسول الله صلى الله علیه و آله و ناهضت دعوته و عذبت أنصاره حتى هرب منها، و تابعته إلى یثرب بجیوش مکثفة لاستئصال دعوته و محو دینه، ولکن الله تعالى رد کیدهم و أفشل خططهم، و نصر نبیه العظیم، و لولا سماحة النبی صلى الله علیه و آله و رأفته لأجرى علیهم حکم بنی قریظة، ولکنه عفا عنهم، و جعلهم من الطلقاء.

و على أی حال فقد اندفع عبدالله بن أبی ربیعة فأید مقالة ابن سرح قائلا: «إن بایعت عثمان سمعنا و أطعنا«.

و انبرى الصحابی الجلیل عمار بن یاسر فرد على ابن أبی سرح قائلا: «متى کنت تنصح للمسلمین«.

و صدق عمار فمتى کان ابن أبی سرح ینصح المسلمین و هو من ألد أعداء رسول الله صلى الله علیه و آله و قد أمر بقتله ولو کان متعلقا بأستار الکعبة (1)

و احتدم الجدال بین الهاشمیین و خصومهم الامویین، و انبرى ابن الإسلام البار عمار بن یاسر فجعل یدعو لصالح المسلمین قائلا: «أیها الناس، إن الله أکرمنا بنبیه، و أعزنا بدینه فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بیت نبیکم؟«.

و انبرى رجل من مخزوم فقطع على عمار کلامه قائلا: «لقد عدوت طورک یابن سمیة، و ما أنت و تأمیر قریش لأنفسها«.

و طفحت الروح الجاهلیة على هذه الکلمات، فلیس فیها إلا الدعوة إلى الباطل، فقد اعتبر المخزومی أمر الخلافة و شؤونها إلى قریش التی ما آمنت بالله و کفرت بقیم الإسلام، فأی حق لها فی خلافة المسلمین، و قبله أعلن أحد أعلام القرشیین: أبت قریش أن تجتمع النبوة و الإمامة فی بیت واحد.

إن أمر الخلافة بید جمیع المسلمین یشترک فیه ابن سمیة و غیره من الضعفاء

الذین أعزهم الله بدینه، و لیس لأی قرشی الحق فی التدخل بشؤون المسلمین لو کان هناک منطق و حساب.

و على أی حال فقد احتدم النزاع بین القوى الإسلامیة و بین القرشیین، فخاف سعد أن یفلت الأمر من أیدیهم و تفوز الاسرة النبویة بالحکم فالتفت إلى عبدالرحمن قائلا له: «یا عبدالرحمن، افرغ من أمرک قبل أن یفتتن الناس«.

و التفت عبدالرحمن إلى الإمام فقال له: «هل أنت مبایعی على کتاب الله و سنة نبیه و فعل أبی بکر و عمر؟«.

فرمقه الإمام بطرفه و أجابه بمنطق الإسلام قائلا:

»بل على کتاب الله و سنة رسوله، و اجتهاد رأیی«.

إن ابن عوف یعلم علما جازما أن الإمام لا یسوس المسلمین بسیرة الشیخین و لا یحفل بها، و إنما یسوسهم بکتاب الله و سنة نبیه و رأیه المشرق الذی هو امتداد ذاتی لرأی النبی صلى الله علیه و آله، و إنما شرط علیه ذلک لصرف الخلافة عنه.

ولو کان الإمام ممن یبغی الحکم و السلطان لوافق على هذا الشرط، ثم خالفه، ولکنه سلام الله علیه فی جمیع أدوار حیاته واکب الصدق و الحق و لم یحد عنهما مهما کانت الظروف.

و على أی حال فإن عبدالرحمن لما یئس من إجابة الإمام اتجه صوب عثمان فعرض علیه شروطه فأجابه بلا تردد، فصفق بکفه على یده و قال له: اللهم إنی قد جعلت ما فی رقبتی من ذاک فی رقبة عثمان.

و التاع الإمام فخاطب ابن عوف: «و الله ما فعلتها إلا لأنک رجوت منه ما رجا صاحبها من صاحبه، دق الله بینکما عطر منشم«.

لقد رجا ابن عوف من بیعته لعثمان أن یکون خلیفة من بعده کما کان ذلک بالنسبة

للشیخین، واتجه الإمام صوب القرشیین فقال لهم: «لیس هذا أول یوم تظاهرتم فیه علینا، فصبر جمیل، و الله المستعان على ما تصفون«.

و لذع منطق الإمام ابن عوف فراح یهدده: «یا علی، لا تجعل على نفسک سبیلا«.

و غادر الإمام المظلوم قاعة الاجتماع و هو یقول: «سیبلغ الکتاب أجله..«.

و التفت الصحابی العظیم عمار بن یاسر فخاطب ابن عوف: «یا عبدالرحمن، أما و الله لقد ترکته، و إنه من الذین یقضون بالحق و به کانوا یعدلون«.

و انبرى المقداد فرفع صوته قائلا: «تالله ما رأیت مثل ما أتی إلى أهل هذا البیت بعد نبیهم! وا عجبا لقریش لقد ترکت رجلا ما أقول و لا أعلم أن أحدا أقضى بالعدل و لا أعلم و لا أنقى منه، لو أجد أعوانا«.

و صاح به عبدالرحمن: «اتق الله یا مقداد، فإنی خائف علیک الفتنة«.

و انتهت بذلک مأساة الشورى التی وضعها عمر لصرف الخلافة عن أهل بیت النبوة و منحها لبنی امیة، و قد رأت عقیلة الوحی السیدة زینب علیهاالسلام أضغان القرشیین و حقدهم على أبیها، و إنهم قد عملوا جاهدین على إطفاء نور الله، و الإجهاز على رسالة الإسلام الهادفة لتطویر الوعی الاجتماعی، و إشاعة الخیر و الهدى بین الناس.

لقد خلقت الشورى العمریة الفتن و الضغائن بین المسلمین و حجبت الاسرة النبویة عن القیادة العامة للعالم الإسلامی، و سلطت علیهم شرار خلق الله، فأمعنوا فی ظلمهم و التنکیل بهم.

و ما کارثة کربلاء و ما عانته عقیلة بنی هاشم السیدة زینب علیهاالسلام من صنوف الظلم و الکوارث التی هی ـ من دون شک ـ من النتائج المباشرة لأحداث الشورى و السقیفة

فإنهما الأساس لکل ما لحق بآل النبی صلى الله علیه و آله من الکوارث و الخطوب.


1) الاستیعاب: 2: 375.