و لما أیقن عمر بدنو الأجل المحتوم منه أخذ یطیل التفکیر فیمن یتولى شؤون الحکم من بعده، و قد تذکر أعضاء حزبه الذین شارکوه فی تمهید الحکم لأبی بکر، فأخذ یبدی حسراته علیهم لأنهم جمیعا قد اقتطفتهم المنیة، فقال بأسى و أسف:
»لو کان أبوعبیدة حیا لاستخلفته لأنه أمین هذه الامة، ولو کان سالم مولى أبی حذیفة حیا لاستخلفته لأنه شدید الحب لله تعالى«.
لقد استعرض الأموات، و تمنى أن یقلدهم الحکم و لم یعرض لسید العترة الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام و لا للصفوة الطاهرة من صحابة النبی صلى الله علیه و آله أمثال عمار بن یاسر الطیب ابن الطیب، و لا لأبی ذر، و لا لرؤساء الأنصار من الذین ساهموا فی بناء الإسلام و استشهد أبناؤهم فی سبیله.
لقد تمنى حضور أبی عبیدة و سالم لیقلدهما منصب رئاسة الدولة، مع العلم أنهما لم یکن لهما أیة سابقة تذکر فی خدمة الإسلام.
لقد رأى عمر أن یجعلها شورى بین المسلمین و انتخب من یمثلهم، و هم ستة:
1ـ الإمام أمیرالمؤمنین
2ـ عثمان بن عفان الاموی.
3ـ طلحة.
4ـ عبدالرحمن بن عوف.
5ـ الزبیر.
6ـ سعد بن أبی وقاص.
و قد اختار عمر هؤلاء النفر لصرف الخلافة عن الإمام أمیرالمؤمنین، فقد کان معظم أعضائها من المنحرفین عن الإمام و الموالین لبنی امیة، و لم یکن مع الإمام
سوى الزبیر، و هو لا یغنی شیئا، و قد جمع عمر أعضاء الشورى، و قدم فی کل واحد منهم سوى الإمام فانصرف عنه.
فقال عمر لمن حضر عنده: «و الله إنی لأعلم مکان رجل لو ولیتموه أمرکم لحملکم على المحجة البیضاء«.
فقالوا له: من هو؟
ـ هذا المولی من بینکم.
ـ ما یمنعک من ذلک؟
ـ لیس إلى ذلک من سبیل» (1)
و دعا عمر أباطلحة الأنصاری فعهد إلیه بما یحکم أمر الشورى فقال له:
یا أباطلحة، إن الله أعز بکم الإسلام فاختر خمسین رجلا من الأنصار فالزم هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجیله، و التفت إلى المقداد فعهد إلیه بمثل ما عهد إلى أبی طلحة ثم قال له: «إذا اتفق خمسة و أبى واحد منهم فاضربوا عنقه، و إن اتفق أربعة و أبى اثنان فاضربوا عنقهما، و إن اتفق ثلاثة على رجل و رضی ثلاثة منهم برجل آخر فکونوا مع الذین فیهم عبدالرحمن بن عوف و اقتلوا الباقین إن رغبوا عما اجتمع علیه الناس«.
و التاع الإمام و عرف أنها مکیدة دبرت ضده، فقد قال لعمه العباس:
»یا عم، لقد عدلت عنا«.
و سارع العباس قائلا: من أعلمک بذلک؟
و کشف الإمام الغطاء عما دبره عمر ضده قائلا:
»لقد قرن بی عثمان، و قال: کونوا مع الأکثر، ثم قال: کونوا مع عبدالرحمن، و سعد لا یخالف ابن عمه عبدالرحمن، و عبدالرحمن صهر لعثمان، و هم لا یختلفون، فإما أن یولیها عبدالرحمن عثمان أو یولیها عثمان عبدالرحمن«.
و صدق تفرس الإمام، فقد ولاها عبدالرحمن لعثمان إیثارا لمصالحه، و ابتغاء لرجوعها إلیه من بعده.
إن أدنى تأمل فی وضع الشورى یتضح منه صرف الخلافة عن الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام، و وضعها عند القوى المنحرفة عنه.
و على أی حال فإن الشورى بأسلوبها الهزیل، قد ألقت الامة فی شر عظیم، و فرقت کلمتها، و أشاعت الطمع و التهالک على الحکم و السلطان بین أبنائها، و قد أعلن هذه الظاهرة معاویة بن أبی سفیان.
فقد قال لأبی الحصین: بلغنی أن عندک ذهنا و عقلا فأخبرنی عن شیء أسألک عنه.
ـ سلنی عما بدا لک.
ـ أخبرنی ما الذی شتت شمل أمر المسلمین و ملأهم و خالف بینهم؟
ـ قتل الناس عثمان.
ـ ما صنعت شیئا.
ـ مسیر علی إلیک و قتاله إیاک.
ـ ما صنعت شیئا.
ـ مسیر طلحة و الزبیر و عائشة و قتال علی إیاهم.
ـ ما صنعت شیئا.
ـ ما عندی غیر هذا.
و طفق معاویة یبین أسباب الخلاف و الفرقة بین المسلمین قائلا: «أنا اخبرک أنه لم یشتت بین المسلمین، و لا فرق أهواءهم إلا الشورى التی جعلها عمر إلى ستة نفر«.
و أضاف یقول: «ثم جعلها ـ عمر ـ شورى بین ستة نفر، فلم یکن رجل منهم إلا رجاها لنفسه و رجاها له قومه، و تطلعت إلى ذلک نفسه» (2)
لقد شاعت الأطماع السیاسیة بشکل سافر عند بعض أعضاء الشورى و غیرهم، فاندفعوا إلى خلق الحزبیة فی المجتمع الإسلامی للوصول إلى کرسی الحکم و الظفر بخیرات البلاد.
و على أی حال فقد ذکرنا بصورة موضوعیة و شاملة آفات الشورى فی کتابنا (حیاة الإمام الحسین(، و قد ألمحنا الیها فی هذه البحوث؛ و ذلک لأنها تلقی الأضواء على الحیاة الاجتماعیة و السیاسیة فی ذلک العصر الذی عاشت فیه عقیلة بنی هاشم و التی أدت إلى ما عانته من الأهوال و الکوارث التی تذهل کل کائن حی.
1) شرح النهج البلاغه: 12: 195.
2) العقد الفرید: 3: 73 و 74.