و لم یطل سلطان أبی بکر فقد ألمت به الأمراض بعد مضی ما یزید على سنتین من حکمه، و قد قلد صاحبه عمر شؤون الخلافة، و قد لاقى معارضة شدیدة من أعلام الصحابة کان من بینهم طلحة، فقد قال له: «ماذا تقول لربک و قد ولیت علینا فظا غلیظا، تفرق منه النفوس، و تنفض منه القلوب» (1)
و سکت أبوبکر فاندفع طلحة یشجب عهده لعمر قائلا: «یا خلیفة رسول الله، إنا کنا لا نحتمل شراسته و أنت حی تأخذ على یده، فکیف یکون حالنا معه و أنت میت و هو الخلیفة«.
و سارع أکثر المهاجرین و الأنصار إلى أبی بکر و هم یعلنون رفضهم و سخطهم و کراهیتهم لخلافة عمر قائلین: نراک استخلفت علینا عمرا و قد عرفته و علمت بوائقه فینا و أنت بین أظهرنا، فکیف إذا ولیت عنا، و أنت لاق الله عزوجل فسائلک، فما أنت قائل«.
فأجابهم أبوبکر: لئن سألنی الله لأقولن استخلفت علیهم خیرهم من نفسی» (2)
و کان الأجدر به أن یستجیب لعواطف أکثر المسلمین و رغباتهم إلا أنه لم یحفل بهم، و أقام صاحبه خلیفة من بعده، و توفی أبوبکر و انتهت بذلک خلافته القصیرة
الأمد، و قد حفلت بأحداث رهیبة کان من بینها معاملة العترة الطاهرة التی هی ودیعة النبی صلى الله علیه و آله فی أمته کأشخاص عادیین فقد جرد عنها هالة التقدیس الذی أضفاه علیها النبی صلى الله علیه و آله، کما فتحت الباب للحکومات التی تلت حکومة الخلفاء إلى ظلم آل البیت و الإمعان فی قتلهم تحت کل حجر و مدر.
و لعل أقسى ما جرى علیهم من الکوارث فاجعة کربلاء الخالدة فی دنیا الأحزان، فقد استشهد الإمام الحسین ریحانة رسول الله صلى الله علیه و آله بصورة مروعة و مثل بجثمانه المقدس بوحشیة لم یعهد لها مثیل، و سبیت عائلته و معها حفیدة الرسول و عقیلة بنی هاشم من کربلاء إلى الشام، کل هذه الرزایا کانت ناجمة عن إقصاء أهل البیت عن مرکز القیادة العامة للمسلمین.
1) شرح نهج البلاغة: 1: 55.
2) شرح نهج البلاغة: 6: 343.