و استغل أبوبکر الموقف، و أراد صاحبه عمر أن یفتح الحدیث مع الأنصار، فنهره أبوبکر لعلمه بشدته، و هی لا تساعد فی مثل هذا الموقف الملبد الذی یجب أن تستعمل فیه الأسالیب السیاسیة و الکلمات الناعمة لکسب الموقف، فبادر أبوبکر فخاطب الأنصار بکلمات معسولة و بسمات فیاضة بالبشر، قائلا:
»نحن المهاجرون أول الناس إسلاما، و أکرمهم أحسابا، و أوسطهم دارا، و أحسنهم وجوها، و أمسهم برسول الله صلى الله علیه و آله، و أنتم اخواننا فی الإسلام، و شرکاؤنا فی الدین، نصرتم الإسلام، و واسیتم، فجزاکم الله خیرا، فنحن الأمراء، و أنتم الوزراء، لا تدین العرب إلا لهذا الحی من قریش، فلا تنفسوا على اخوتکم المهاجرین ما فضلهم الله به، فقد رضیت لکم أحد هذین الرجلین ـ یعنی: عمر بن الخطاب و أبا عبیدة بن الجراح ـ..» (1)
و لم یعرض هذا الخطاب إلى وفاة النبی صلى الله علیه و آله التی هی أعظم کارثة منی بها المسلمون، فکان الواجب أن یعزی المسلمین بوفاة منقذهم و نبیهم، کما أن الواجب یقضی بتأخیر المؤتمر إلى بعد مواراة النبی صلى الله علیه و آله حتى یجتمع جمیع المسلمین و ینتخبوا عن إرادتهم و حریتهم من شاءوا.
و شیء آخر فی هذا الخطاب أنه لم یمعن إلا بطلب الإمرة و السلطان، فقد طلب
من الأنصار أن یتنازلوا عن الخلافة إلى المهاجرین، و أنهم سینالون عوض ذلک الوزارة، إلا أنه لما تم الأمر لأبی بکر أقصاهم و لم یمنحهم أی منصب من مناصب الدولة.
و مما یؤخذ على هذا الخطاب أنه تجاهل بصورة کاملة أهل البیت علیهم الذین هم ودیعة النبی فی امته، و الثقل الأکبر فیها، فلم یشر إلیهم أبوبکر بقلیل و لا بکثیر.
1) تاریخ الامم و الملوک: 3: 62.