جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الصبر

زمان مطالعه: 2 دقیقه

من النزعات الفذة التی تسلحت بها مفخرة الإسلام و سیدة النساء زینب علیهاالسلام هی الصبر على نوائب الدنیا و فجائع الأیام، فقد تواکبت علیها الکوارث منذ فجر الصبا، فرزئت بجدها الرسول صلى الله علیه و آله الذی کان یحدب علیها، و یفیض علیها بحنانه و عطفه.

و شاهدت الأحداث الرهیبة المروعة التی دهمت أباها و أمها بعد وفاة جدها، فقد اقصی أبوها عن مرکزه الذی أقامه فیه النبی صلى الله علیه و آله، و أجمع القوم على هضم امها حتى توفیت و هی فی روعة الشباب و غضارة العمر، و قد کوت هذه الخطوب قلب العقیلة إلا أنها خلدت إلى الصبر.

و توالت بعد ذلک علیها المصائب، فقد رأت شقیقها الإمام الحسن الزکی علیه السلام قد غدر به أهل الکوفة، حتى أضطر إلى الصلح مع معاویة الذی هو خصم أبیها و عدوه الألد، و لم تمض سنین یسیرة حتى اغتاله بالسم، و شاهدته و هو یتقیأ دما من شدة السم حتى لفظ أنفاسه الأخیرة.

و کان من أقسى ما تجرعته من المحن و المصاعب یوم الطف، فقد رأت شقیقها الإمام الحسین علیه السلام قد استسلم للموت لا ناصر له و لا معین، و شاهدت الکواکب المشرقة من شباب العلویین صرعى قد حصدتهم سیوف الامویین، و شاهدت الأطفال الرضع یذبحون أمامها.

إن أی واحدة من رزایا سیدة النساء زینب لو ابتلی بها أی إنسان مهما تذرع

بالصبر و قوة النفس لأوهنت قواه، و استسلم للضعف النفسی، و ما تمکن على مقاومة الأحداث، ولکنها سلام الله علیها قد صمدت أمام ذلک البلاء العارم، و قاومت الأحداث بنفس آمنة مطمئنة راضیة بقضاء الله تعالى و صابرة على بلائه، فکانت من أبرز المعنیین بقوله تعالى: (و بشر الصابرین- الذین إذا أصابتهم مصیبة قالوا إنا لله و إنا إلیه راجعون- أولئک علیهم صلوات من ربهم و رحمة) (1)

و قوله تعالى: (إنما یوفى الصابرون أجرهم بغیر حساب) (2)

و قوله تعالى: (و لنجزین الذین صبروا أجرهم بأحسن ما کانو یعملون) (3)

لقد صبرت حفیدة الرسول صلى الله علیه و آله و أظهرت التجلد و قوة النفس أمام أعداء الله، و قاومتهم بصلابة و شموخ، فلم یشاهد فی جمیع فترات التاریخ سیدة مثلها فی قوة عزیمتها و صمودها أمام الکوارث و الخطوب.

یقول الحجة الشیخ هادی آل کاشف الغطاء فی صبرها و عظیم محنتها:

لله صبر زینب العقـیلة

کم شاهدت مصائبا مهولة

رأت من الخطوب و الرزایا

أمرا تهون دونه المنایا

رأت کرام قومها الأماجد

مجـزرین فی صعید واحد

تسفی على جسومها الریاح

و هی لذؤبان الفلا تباح

رأت رؤوسا بالقـنا تشال

و جثثا أکفانها الرمال

رأت رضیعا بالسهام یفطم

و صبیة بعد أبیهم أیتموا

رأت شماتة العدو فیها

و صنعه ما شاء فی أخیها

و إن من أدهى الخطوب السود

وقوفها بین یدی یزید

و قال السید حسن البغدادی:

یا قلب زینب ما لاقیت من محن

فیک الرزایا و کل الصبر قد جمعا

لو کان ما فیک من صبر و من محن

فی قلب أقوى جبال الأرض لانصدعا

یکفیک صبرا قلوب الناس کلـهم

تفطرت للذی لاقیته جزعا

لقد قابلت العقیلة ما عانته من الکوارث المذهلة و الخطوب السود بصبر یذهل کل کائن حی.


1) البقرة 2: 155ـ 157.

2) الزمر 39: 10.

3) النحل 16: 96.