مقدمة

الحمدلله رب العالمین، و الصلاة و السلام علی خیر البریة المصطفی محمد و علی آل بیته الطیبین الطاهرین و صحبه المنتجبین.

لقد سجل التاریخ فی صفحات من نور أسماء لرجال عظام و نساء عظیمات، فلم یخل عصر من العصور من النساء اللانی وقفن الی جانب الرجال فی المواقف العصیبة، و ساهمن مساهمات فعالة فی دعم الحرکات الجهادیة و الفکریة، کما لم تخل الحرکات السیاسیة علی امتداد التاریخ من مواقف لنساء صعدن الی المشانق و هن یزغردن من أجل نصرة الحق و المبادی.

و لقد امتازت بعض النساء دون غیرهن بممیزات خصهن بها الله سبحانه و تعالی، و منحهن من الفضائل و الخصائص و المواهب دون سائر البشر. حیث کانت تلک المواهب علامة لهن من الباری عزوجل، و آیة منه علی تفوقهن و رفعتهن، علی سواهن من الناس.

لحوراء زینب، هی احدی تلک العظیمات فی التاریخ، فقد بانت جوانب حیاتها مشرقة بعد أن رضعت من ثدی الوحی، و ترعرعت فی أحضان النبوة، و خصت بتلکم التربیة الروحانیة، و نشأت نشأة قدسیة، فتجلببت جلابیب الجلال و العظمة و تألقت فی سماء الانسانیة، فهیمنت علی دنیا العقیدة و الجهاد.

و لقد سجل لها قلم الحیاة صفحات غراء باهرة فی جمیع الآفاق، فی نسبها و شخصیتها، و خصالها و مواقفها، و مکارمها و آثارها المبارکة علی الحیاة الاسلامیة الی یومنا هذا، و الی ما یشاء الله عز شأنه.

و لقد جسدت الحوراء زینب أروع مواقف الصمود، و رباطة الجأش و قوة الشکیمة و أعلی درجات الصبر و الجلد فی أکثر الظروف العصیبة،و أثبتت عن حق کیف یمکن أن تکون المرأة قائدة و راعیة و کافلة و مجاهدة بکل ما لکلمة الجهاد من مدلول و معنی.

فکل ما قامت به دروس و عبر یلیق بالمرأة المسلمة أن تحتذی و تحتفی بها و تجعلها نبراسا و منهاجا لها فی کل مناحی حیاتها و توجهاتها خصوصا فی أعمالها الاجتماعیة و أنشطتها السیاسیة و الفکریة.

و بالرغم من أن أرباب التاریخ قد کتبوا العدید من کتب السیرة و أخبار الرجل و تعرضوا أیضا لأخبار النساء، فان التاریخ لم یغبن رمزا کبیرا و اسما ساطعا فی التاریخ العربی و الاسلامی مثلما غبن الحوراء زینب، حیث ذکرها المؤرخین بأسط قلیلة أو بصفحات لا تفی بالغرض المطلوب، لو لا التفاتة بعض العلماء الأعلام کالعلامة «السید عبدالحسین شرف الدین العاملی» و الشیخ «محمد جواد مغنیة» فی کتابه «مع بطلة کربلاء«، و «السیدة بنت الشاطی«، «عائشة عبدالرحمن» فی کتابها «بطلة کربلاء» الذی یعد من أجمل المراجع التاریخیة و أکثرها ثراء و وصفا لحیاة الحوراء زینب، بالاضافة الی آخرون من الکتاب المعاصرون الذین ذکروها هنا و هناک، مع أننا لم نزل نطمح لکتاب تاریخی شامل یؤرخ بحق جمیع جوانب حیاتها.

و لقد أحببت أن أسلط الضوء فی مقالتی هذا علی بعض الجوانب المهمة من شخصیة هذه المرأة الشجاعة، التی نذرت نفسها لاحیاء النهضة الحسینیة بکل ما أوتیت من قوة و رباطة جأش، و بکل ما تمتلک من بلاغة و بیان، لتأسس أرقی مدرسة فکریة و سیاسیة و تبلیغیة فی تارخ الانسانیة؛ و قد تضمن هذه المقالة مقدمة و خاتمة و فصلین:

الفصل الأول: الخصائص المعنویة

الفصل الثانی: المواقف البطولیة و الجهادیة

أتمنی أن ینتفع القاری الکریم بهذا الجهد المتواضع، کما أسأل الباری تعالی أن یوفقنی لخدمة أهل البیت و احیاء تراثهم الثری، من خلال ابراز أدوارهم التاریخیة العظیمة، الغنیة بجمیع درجات الکمال، و المتضمنة لکل معانی التضحیة و الفداء، و ما توفیقی الا بالله علیه توکلت و الیه انیب.(1)

1) هود (11) / 88.