تراقصت ألسنة النار المجنونة و هی تلتهم خیام القافلة… بدت کشیطان یتمیز من الغیظ.
فرت النسوة و الأطفال هائمین فی وجه الصحراء، و قطعان الذئاب تجوس خلال الخیام کریح مجنونة.
هبت القبائل تسلب و تنهب، و تحولت تلک القطعة من أرض الله الی مسرح رهیب، و قد ظهر ابلیس ینفخ و یصفر.. یسخر من آدم.. و بدا آدم حزینا علی فردوسه المفقود.
و کانت امرأة اسمها زینب تتألق وسط الناس… ترتل نداء السماء: یا نار کونی بردا و سلاما.
تقدمت نحو الشمس التی کورت.. کانت تتنفس روح علی..
ترتدی حلة أیوب النبی.
تقدمت نحو آخر القرابین السماویة.
اختفت الزهور و الریاحین، و ظهرت الاشواک حادة کأنصال السکاکین.. ملأت الطریق.. الطریق الذی یؤدی الی الحسین.
قالت زینب و هی تجثو أمام جسد ممزق:
ـ الهی تقبل منا هذا القربان!
نهضت تلملم آلامها.. تبحث عن أطفال و نسوة فرت مذعورة کطیور هاربة من سفن بعیدة غرقت.
العیون الحالمة و القلوب الصغیرة فرت خائفة. و کان «الرضیع» ما یزال غافیا مصبوغ النحر بلون الأرجوان.
عواء الذئاب یمزق و داعة الریاحین. و استحالت الاشیاء الخضراء الی رماد تذروه الریاح.
کل شیء بات یهتز بشدة.. الموجودات تتأرجح کما لو أن زلزالا ضرب الأرض، فبدت مجنونة، و هی تمخر غبار الکون.
آن للقافلة أن تستأنف رحلتها، و قد ظهرت امرأة ترتدی صبر الانبیاء.. عنفوان الرسالات.. و کان اسمها زینب..
آن للقافلة أن ترحل.
رفعت النوق أثقالها… و انتشلت سفن الصحراء مراسیها…
و بوصلة التاریخ تشیر الی المدینة المشهورة بالغدر.
و من بعید لاحت الکوفة ذلیلة خاویة علی عروشها.
قالت زینب و هی تستقی صبر الحسین:
ـ لن یموت من رأسه فوق الرمح… انظر انه یرتل سورة الکهف.
قال فتی علیل أفلت من أنیاب الذئاب:
ـ انهم یقتلون الحریة… و الانسان.
ـ الروح العظیمة لاتعرف الموت.. انهم یرفعونها عالیا فوق ذری الرماح.
و أردفت المرأة المتوشحة بالصبر:
ـ انظر یابن أخی سندخل الکوفة.
ـ یا عمتی اننا ندخلها اسری.
ـ بل فاتحین.. و سینجلی ذلک ولو بعد حین.
ـ و هذه الحبال و قیود الحدید.
ـ ستلتف حول أعناق الذین غدروا. انهم لا ایمان لهم. صبرا یا بقیة جدی و أبی و اخوتی، فوالله ان هذا لعهد من الله الی جدک و أبیک، و لقد أخذ الله میثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الارض، و هم معروفون فی أهل السماوات.. انهم یجمعون هذه الجسوم المضرجة فیوارونها، و ینصبون بذاک الطف علما لا یدرس أثره.