و سارت قافلة عائشة تجد فی السیر لا تلوی على شیء، فاجتازت على مکان یقال له الحوأب، قتلقت کلاب الحی القافلة بهریر و عواء، فذعرت عائشة من شدة ذلک النباح، فقالت لمحمد بن طلحة: أی ماء هذا؟
ـ ماء الحوأب.
فذعرت عائشة، و قالت: ما أرانی إلا راجعة.
ـ لم یا ام المؤمنین؟
ـ سمعت رسول الله صلى الله علیه و آله یقول لنسائه: «کأنی بإحداکن قد نبحتها کلاب الحوأب (1)، و إیاک أن تکونی یا حمیراء..«.
فرد علیها محمد و قال لها: «تقدمی رحمک الله، ودعی هذا القول…«.
و لم تقتنع عائشة و ذاب قلبها أسى على ما فرطت فی أمرها. و علم طلحة و الزبیر بإصرارها على الرجوع إلى یثرب فأقبلا یلهثان؛ لأنها متى انفصلت عن الجیش تفرق و ذهبت آمالهما أدراج الریاح، فتکلما معها فی الأمر فامتنعت من إجابتهما، فجاءوا لها بشهود اشتروا ضمائرهم فشهدوا عندها أنه لیس بماء الحوأب، و هی أول شهادة زور تقام فی الإسلام (2)، و بهذه الشهادة الکاذبة استطاعوا أن یحرفوها عما صممت علیه.
1) روى ابن عباس عن النبی صلى الله علیه و آله أنه قال یوما لنسائه و هن جمیعا عنده: «أیتکن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها کلاب الحوأب، یقتل عن یمینها و شمالها قتلى کثیرة کلهم فی النار، و تنجو بعد ما کادت«، جاء ذلک فی: شرح نهج البلاغة: 2: 497، و هذا الحدیث من أعلام النبوة، و من إخباره بالمغیبات.
2) مروج الذهب: 2: 342. تاریخ الیعقوبی: 2: 181.