جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

مؤتمر غدیرخم

زمان مطالعه: 3 دقیقه

و قفل النبی صلى الله علیه و آله بعد أداء مراسیم الحج إلى یثرب و حینما انتهى موکبه إلى (غدیرخم) نزل علیه الوحی برسالة من السماء أن ینصب الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام خلیفة من بعده، و مرجعا عاما للامة، لقد نزل علیه الوحی بهذه الآیة:

(یا أیها الرسول بلغ ما أنزل إلیک من ربک و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله یعصمک من الناس إن الله لا یهدی القوم الکافرین) (1)

ففی هذه الآیة إنذار خطیر إلى الرسول صلى الله علیه و آله، إذ أنه إن لم یقم بهذه المهمة فما بلغ رسالة ربه، و ضاعت جمیع جهوده وأتعابه فی سبیل هذا الدین، فانبرى صلى الله علیه و آله فحط أعباء المسیر، و وضع رحله فی رمضاء الهجیر، و أمر قوافل الحج أن تفعل مثل ذلک، و کان الوقت قاسیا فی حرارته فکان الرجل یضع طرف ردائه تحت قدمیه لیتقی به من حرارة الأرض، و قام النبی صلى الله علیه و آله فصلى بالناس، و بعد أداء فریضة الصلاة أمر بأن یوضع له منبر من حدائج الإبل، فصنع له ذلک، فاعتلى علیه، و اتجهت الجماهیر بعواطفها و قلوبها نحو النبی صلى الله علیه و آله، فخطب خطابا مهما، أعلن فیه ما لاقاه من عناء شاق فی سبیل هدایتهم، و تحریر إرادتهم، و إنقاذهم من خرافات الجاهلیة و عاداتها.

ثم ذکر طائفة من أحکام الإسلام و تعالیمه، و ألزمهم بتطبیقها على واقع حیاتهم، ثم التفت إلیهم فقال: «انظروا کیف تخلفونی فی الثقلین..«.

فناداه مناد من القوم: «ما الثقلان یا رسول الله؟«.

فأجابه: «الثقل الأکبر: کتاب الله، طرف بید الله عزوجل و طرف بأیدیکم، فتمسکوا به لا تضلوا، و الآخر الأصغر: عترتی، و إن اللطیف الخبیر نبأنی أنهما لن یفترقا حتى یردا علی الحوض، فسألت ذلک لهما ربی، فلا تقدموهما فتهلکوا، و لا تقصروا عنهما فتهلکوا..«.

ثم أخذ بید وصیه و باب مدینة علمه و ناصر دعوته الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام لیفرض ولایته على جمیع المسلمین فرفعها حتى بان بیاض ابطیهما، و نظر إلیهما القوم، و رفع النبی صوته قائلا:

»أیها الناس، من أولى بالمؤمنین من أنفسهم؟«.

فانبرت قوافل الحجاج رافعة عقیرتها:

الله و رسوله أعلم…

و وضع النبی صلى الله علیه و آله القاعدة الأصلیة التی تصون المسلمین من الانحراف قائلا: «إن الله مولای، و أنا مولى المؤمنین، و أنا أولى بهم من أنفسهم، فمن کنت مولاه فعلی مولاه«.

و کرر هذا القول ثلاث مرات، أو أربع: ثم قال: «اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و أحب من أحبه، و أبغض من أبغضه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أدر الحق معه حیث دار، ألا فلیبلغ الشاهد الغائب…«.

لقد أدى النبی صلى الله علیه و آله رسالة ربه، فنصب الإمام أمیرالمؤمنین خلیفة من بعده، و قلده منصب الإمامة و المرجعیة العامة، و أقبل المسلمون یهرعون صوب الإمام و هم یبایعونه بالخلافة و یهنئونه بإمرة المسلمین و قیادتهم، و أمر النبی امهات المؤمنین أن یهنئن الإمام بهذا المنصب العظیم، ففعلن، و أقبل عمر بن الخطاب نحو الإمام فصافحه و هنأه، و قال له: هنیئا یابن أبی طالب أصبحت و أمسیت مولای و مولى کل مؤمن و مؤمنة (2)

و فی ذلک الیوم الخالد نزلت الآیة الکریمة: (الیوم أکملت لکم دینکم و أتممت

علیکم نعمتی‏ و رضیت لکم الإسلام دینا) (3)

لقد تمت نعمة الله الکبرى على المسلمین بولایة بطل الإسلام و رائد العدالة الاجتماعیة فی الأرض الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام، و قد خطا النبی صلى الله علیه و آله الخطوة الأخیرة فی أداء رسالته، فصان امته من الزیغ و الانحراف، فنصب لها القائد و الموجه و لم یترکها فوضى ـ کما یزعمون ـ تتلاعب بها الفتن و الأهواء و تتقاذفها أمواج من الضلال، إن وثیقة الغدیر من أروع الأدلة و أوثقها على اختصاص الخلافة و الإمامة بباب مدینة علم النبی الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام، و هی جزء من رسالة الإسلام و بند من أهم بنوده؛ لأنها تبنت القضایا المصیریة للعالم الإسلامی على امتداد التاریخ.

لقد وعت سیدة النساء زینب علیهاالسلام، و هی فی فجر الصبا هذه البیعة لأبیها، و أن جدها قد قلده هذا المنصب الخطیر لسلامة الامة و تطورها، و البلوغ بها إلى أعلى المستویات من التقدم، و القیادة العامة لشعوب العالم و امم الأرض، ولکن القوم قد سلبوا أباها هذا المنصب، و جعلوه فی معزل عن الحیاة الاجتماعیة و السیاسیة، و قد أخلدوا بذلک للامة المحن و الخطوب، و تجرعت حفیدة النبی صلى الله علیه و آله بالذات أهوالا من المصائب و الکوارث کانت ناجمة ـ من دون شک ـ عن هذه المؤامرة التی حیکت ضد أبیها، فانا لله و إنا إلیه راجعون.


1) المائدة 5: 67. نص على نزول هذه الآیة فی یوم الغدیر: الواحدی فی أسباب النزول و الرازی فی تفسیره، و غیرهما.

2) مسند أحمد: 4: 281.

3) المائدة 5: 3. نص على نزول هذه الآیة فی یوم الغدیر: الخطیب البغدادی فی تاریخ بغداد: 8: 29، السیوطی فی الدر المنثور، و غیرهما من أعلام أهل السنة.