جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

لوعة الزهراء

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و نخب الحزن قلب بضعة الرسول، و برح بها الألم القاسی و ذهبت نفسها شعاعا حینما علمت أن أباها مفارق لهذه الحیاة، فقد جلست إلى جانبه و هی مذهولة کأنها تعانی آلام الاحتضار و سمعته یقول: «وا کرباه…«.

فأسرعت و هی تجهش بالبکاء قائلة: «و اکربی لکربک یا أبتی..«.

و أشفق الرسول صلى الله علیه و آله على بضعته، فقال لها مسلیا: «لا کرب على أبیک بعد الیوم..» (1)

و هامت زهراء الرسول فی تیارات مروعة من الأسى و الحزن فقد أیقنت أن أباها سیفارقها، و أراد النبی صلى الله علیه و آله أن یسلها و یخفف لوعة مصابها فأسر إلیها بحدیث، فلم تملک نفسها أن غامت عیناها بالدموع، ثم أسر إلیها ثانیا، فقابلته ببسمات فیاضة بالبشر و السرور، فعجبت عائشة من ذلک و راحت تقول: «ما رأیت کالیوم فرحا أقرب من حزن…«.

و أسرعت عائشة فسألت زهراء الرسول عما أسر إلیها أبوها، فأشاحت بوجهها الکریم عنها و أبت أن تخبرها، ولکنها أخبرت بعض السیدات بذلک، فقالت:

»أخبرنی أن جبرئیل کان یعارضنی بالقرآن فی کل سنة مرة، و أنه عارضنی فی هذا العام به مرتین، و لا أراه إلا قد حضر أجلی..«.

و کان هذا هو السبب فی لوعتها و بکائها، أما سبب سرورها و ابتهاجها، فقالت: «أخبرنی أنک أول أهل بیتی لحوقا بی، و نعم السلف أنا لک، ألا ترضین أن تکونی سیدة نساء هذه الامة..» (2)

و نظر إلیها النبی صلى الله علیه و آله و هی خائرة القوى، منهدة الرکن، فأخذ یخفف عنها لوعة المصاب، قائلا: «یا بنیة لا تبکی، و إذا مت فقولی: إنا لله و إنا إلیه راجعون، فإن فیها من کل میت معوضة..«.

و أجهشت بضعة الرسول بالبکاء قائلة: «و منک یا رسول الله…«.

ـ «نعم و منی…» (3)

و اشتد المرض برسول الله صلى الله علیه و آله و الزهراء إلى جانبه و هی تبکی و تقول لأبیها:

»یا أبت، أنت کما قال القائل فیک:

و أبیض یستسقى الغمام بوجهه

ثمال الیــتامى، عصمة للأرامل«

فقال لها رسول الله صلى الله علیه و آله: «هذا قول عمک أبی طالب، و تلا قوله تعالى: (و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابکم و من ینقلب على عقبیه فلن یضر الله شیئأ و سیجزی الله الشاکرین) (3)

و تقطع قلب زهراء الرسول ألما و حزنا على أبیها، فانکبت علیه و معها الحسنان،

فألصقت صدرها بصدره و هی غارقة فی البکاء، فأجهش النبی بالبکاء، و هو یقول:

»اللهم أهل بیتی، و أنا مستودعهم کل مؤمن..«.

و جعل یردد ذلک ثلاث مرات حسبما یرویه أنس بن مالک (4)

أما حفیدة الرسول زینب، فقد شارکت امها فی لوعتها و أحزانها، و قد ذابت نفسها حزنا و موجدة على امها التی هامت فی تیارات مذهلة من الأسى و الشجون على أبیها الذی هو عندها أعز من الحیاة.


1) کشف الغمة: 1: 40. أنساب الأشراف: 2: 225.

2) الأمالی / الصدوق: 692، الحدیث 948. روضة الواعظین: 150. شرح الأخبار: 3: 23 و 24. کشف الغمة: 1: 430. سنن ابن ماجة: 1: 518، الحدیث 1621. مسند أحمد بن حنبل: 7: 401، الحدیث 25874ـ 25875. المعجم الکبیر: 22: 417ـ 421، الرقم 1030ـ 1038. الذریة الطاهرة: 99ـ 101. تاریخ مدینة دمشق: 3: 155، و قد ذکر هذه الحادثة أکثر أصحاب الحدیث و السیر.

3) أنساب الأشراف: 1: 133، القسم الأول.

4) بحارالأنوار: 22: 461. تاریخ مدینة دمشق: 14: 170. ینابیع المودة: 2: 71.