و کان أکثر أهل بیت النبی صلى الله علیه و آله جزعا و أشدهم مصابا بضعة الرسول صلى الله علیه و آله، و حبیبته فاطمة الزهراء، فقد أشرفت على الموت، و هی تبکی أمر البکاء و أقساه، و تقول:
»وا أبتاه، وا رسول الله، وا نبی الرحمتاه، الآن لا یأتی الوحی، الآن ینقطع عنا
جبرئیل. اللهم ألحق روحی بروحه، و اشفعنی بالنظر إلى وجهه، و لا تحرمنی أجره و شفاعته یوم القیامة» (1)
و قالت بذوب روحها: «وا أبتاه إلى جبرئیل أنعاه، وا أبتاه جنة الفردوس مأواه، وا أبتاه وا أبتاه أجاب ربا دعاه..«.
و أحاطت بالاسرة النبویة موجات من الأسى و الحزن على هذا المصاب العظیم کما أحاطت بها تیارات من الفزع و الخوف؛ لأن رسول الله صلى الله علیه و آله قد وتر الأقربین و الأبعدین فخافوا من انقضاض العرب علیهم.
یقول الإمام الصادق علیه السلام: «لما مات النبی صلى الله علیه و آله بات أهل بیته کأن لا سماء تظلهم، و لا أرض تقلهم؛ لأنه وتر الأقرب و الأبعد…«.
لقد عانت حفیدة النبی صلى الله علیه و آله زینب علیهاالسلام و هی فی سنها المبکر هذه المصیبة الکبرى و ما تنطوی علیه من أبعاد، و ما ستعانیه هی و أهلها من فوادح الرزایا بعد وفاة جدها کما فقدت بموته العطف و الحنان الذی کان یغدقه علیها، و کان عمرها الشریف خمس سنین، و قد غزت قلبها هذه المحنة الشاقة، فقد رأت جدها یوارى فی مثواه الأخیر، و رأت أباها بادی الهم و الحزن على فراق ابن عمه، و شاهدت أمها الرؤوم و هی و لهى قد ذابت من الأسى، و هی تندب أباها بأشجى ما تکون الندبة، و منذ ذلک الیوم لازمها الأسى و الحزن حتى لحقت بالرفیق الأعلى.
1) تاریخ الخمیس: 2: 192.