و تمرد الخوارج على الإمام و ألزموه بأمر التحکیم، و هم الذین أرغموه على ذلک و هددوه بالقتل إن لم یوقف القتال مع معاویة، و أخذوا یعیثون فی الأرض فسادا، فقد رحلوا عن الکوفة و عسکروا فی النهروان، فاجتاز علیهم الصحابی الجلیل عبدالله بن خباب بن الأرت فأحاطوا به قائلین:
ـ من أنت؟
ـ رجل مؤمن.
ـ ما تقول فی علی بن أبی طالب.
ـ إنه أمیرالمؤمنین، و أول المسلمین إیمانا بالله و رسوله.
ـ ما اسمک؟
ـ عبدالله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله.
ـ أفزعناک؟
ـ نعم.
ـ لا روع علیک.
ـ حدثنا عن أبیک بحدیث سمعه عن رسول الله صلى الله علیه و آله لعل الله أن ینفعنا به؟
ـ نعم، حدثنی عن رسول الله صلى الله علیه و آله أنه قال: «ستکون فتنة بعدی یموت فیها قلب الرجل کما یموت بدنه، یمسی مؤمنا، و یصبح کافرا«.
فهتفوا جمیعا: لهذا الحدیث سألناک و الله لنقتلنک قتلة ما قتلنا بمثلها أحدا.
و عمدوا مصرین على الغی و العدوان فأوثقوه کتافا و أقبلوا به و بامرأته، و کانت حبلى قد أشرفت على الولادة، فأنزلوهما تحت نخل فسقطت رطبة منها فبادر بعضهم إلیها فوضعها فی فیه، فأقبل إلیه بعضهم منکرا علیه قائلا: بغیر حل أکلتها.
فألقاها بالوقت من فیه، و اخترط بعضهم سیفه فضرب به خنزیرا لأهل الذمة فقتله، فصاح به بعضهم: إن هذا من الفساد فی الأرض.
فبادر الرجل إلى الذمی فأرضاه، و لما نظر عبدالله بن خباب احتیاط هؤلاء فی هذه الامور سکن روعه و قال لهم: لئن کنتم صادقین فیما أرى، ما علی منکم بأس، و والله ما أحدثت حدثا فی الإسلام، و إنی لمؤمن و قد آمنتمونی و قلتم لا روع علیک.
فلم یعن هؤلاء الأخباث الذین هم صفحة خزی و عار على البشریة، فجاءوا به و بامرأته فأضجعوه على شفیر النهر و وضعوه على ذلک الخنزیر الذی قتلوه، ثم ذبحوه، و اقبلوا على امرأته، و هی ترتعد من الخوف فقالت لهم مسترحمة:
إنما أنا امرأة، أما تتقون الله.
فلم یعنوا باسترحامها و أقبلوا علیها کالکلاب فقتلوها، و بقروا بطنها، و انعطفوا على ثلاث نسوة فقتلوهن، و فیهن أم سنان الصیداویة، و کانت قد صحبت النبی صلى الله علیه و آله، و لم یقف شر هؤلاء الأرجاس عند هذا الحد، و إنما أخذوا یذیعون الذعر و ینشرون القتل و الفساد فی الأرض.