لقد عاشت زینب آفاق المعرفة الصحیحة و الدقیقة و الشاملة و أجواء الروحانیة و القدسیة فی ظل أخویها و أمها و أبیها و جدها (صلوات الله علیهم أجمعین(، و هم العابدون الحقیقیون بکل ما للعبادة من معنی، و لذلک ما ترکت زینب العبادة فی أحلک الأوقات، و أصعب الحالات و أمضی الآلام و المحن. و هل هناک محنة أشد و أصعب و أکثر ألما من محنة کربلاء التی واجهت زینب فیها ما لا یمکن أن یتحمله انسان آخر مهما بلغ من قوة التحمل و الصبر.
و رغم هذا لم تنقطع زینب عن عبادتها و نوافلها و تلاوة کتاب الله، فلیلة العاشر و هی أشد اللیالی و أصعبها و أخطرها و أمضها، حیث أنها تعلم بالمصیر الذی یجری علی أخیها الحسین (علیه السلام) و علی أهل بیته و أبنائه و أخوته و أصحابه، و تحوط بها المتاعب و المخاطر من کل الجهات. و مع ذلک لم تزل قائمة راکعة ساجدة تالیة للقرآن صابرة محتسبة، بل أنها لم تترک عبادتها حتی فی لیلة الحادی عشر من محرم تلک اللیلة التی قامت بها بحفظ العیال و الأطفال و تولت حراستهم و المهام الأخری التی ألقیت علی عاتقها و عهد الحسین بها الیها، کالمحافظة علی الامام زین العابدین (علیه السلام(، التی تعنی المحافظة علی الامامة التی عهدها الله تعالی لعباده، و ما یترتب علیها من صلوات و نوافل، بل انها لم تترک العبادة حتی و هی فی طریق الأسر الی الکوفة ثم الی الشام.
و عند ما کانت تناجی ربها، کانت تناجیه بکلمات تنم عن الذوبان فی ذات الله عزوجل، و تدل علی مالها من فصاحة و بلاغة قل مثیلها، کانت تخاطب المولی سبحانه بقولها:
یا عماد من لا عماد له، و یا ذخر من لا ذخر له و یا سند من لا سند له و یا حرز الضعفاء و یا کنز للفقراء و یا سمیع للرجاء و یا منجی الغرقی و یا منقذ الهلکی و یا محسن یا مجمل یا منعم یا متفضل أنت الذی سجد له سواد اللیل وضوء النهار و شعاع الشمس و حفیف الشجر و دوی الماء.
ان الحوراء زینب هی قطعا دون المعصومین عبادة، و لکنها حاکت درجة الأوصیاء فی العبادة وفاقت العارفین و المجتهدین و العابدین من أهل الصلاح و الدین و الاتصال بالله و التمحض له.