و بایع طلحة و الزبیر الإمام أمیرالمؤمنین، و انعقدت بیعته فی أعناقهما، ولکن الأطماع السیاسیة و الشورى العمریة التی نفخت فیهما روح الطموح، و ساوت بینهما و بین بطل الإسلام و أخی رسول الله صلى الله علیه و آله، هی التی دفعتهما إلى إعلان التمرد، و قد خفا إلى الإمام علیه السلام و قد أترعت نفوسهما بالأطماع و الکید للإسلام، فقالا للإمام: «هل تدری على ما بایعناک یا أمیرالمؤمنین؟«.
فأسرع الإمام قائلا:
»نعم على السمع و الطاعة، و على ما بایعتم علیه أبابکر و عمر و عثمان..«.
فرفضا ذلک، و قالا: «لا، ولکن بایعناک على أنا شریکاک فی الأمر«.
فرمقهما الإمام بطرفه، و أوضح لهما ما ینبغی أن یکونا شریکین له قائلا:
»لا، ولکنکما شریکان فی القول و الاستقامة، و العون على العجز و الأولاد«.
لقد أعربا عن أطماعهما و أن بیعتهما للإمام لم تکن من أجل صالح المسلمین و جمع کلمتهم، و قاما مغضبین، فقال الزبیر فی ملأ من قریش: «هذا جزاؤنا من علی، قمنا له فی أمر عثمان حتى أثبتنا علیه الذنب، و سببنا له القتل، و هو جالس فی بیته، و کفی الأمر، فلما نال بنا ما أراد جعل دوننا غیرنا…«.
و قال طلحة: «ما اللوم إلا أنا کنا ثلاثة من أهل الشورى کرهه أحدنا (1) و بایعناه، و أعطیناه ما فی أیدینا و منعنا ما فی یده، فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا…«.
و الشیء المؤکد أنهما لم یعرفا علیا، و لم یعیا أهدافه فی عالم الحکم، ولو عرفاه ما نازعاه، أو أنهما عرفاه و حالت أطماعهما و جشعهما على منازعته، و انتهى حدیثهما إلى الإمام فاستدعى مستشاره عبدالله بن عباس فقال له:
»بلغک قول الرجلین..«.
ـ نعم.
ـ «أرى أنهما أحبا الولایة فول البصرة الزبیر، و ول طلحة الکوفة..«.
و لم یرتض الإمام رأی ابن عباس، فقال مفندا لرأیه:
»ویحک إن العراقین ـ البصرة و الکوفةـ بهما الرجال و الأموال، و متى تملکا رقاب الناس یستمیلا السفیه بالطمع، و یضربا الضعیف بالبلاء، و یقویا على
القوی بالسلطان.
ولو کنت مستعملا أحدا لضره و نفعه لاستعملت معاویة على الشام، و لولا ما ظهر لی من حرصهما على الولایة لکان لی فیهما رأی..«.
لقد کان الإمام عالما بأطماعهما، و ما انطوت علیه نفوسهما من التهالک على الامرة و السلطان، ولو کان یعلم نزاهتهما و استقامتهما لولاهما البصرة و الکوفة.
و لما علم طلحة و الزبیر أن الإمام لا یولیهما على قطر من أقطار المسلمین خفا إلیه طالبین منه الإذن بالخروج قائلین: «ائذن لنا یا أمیرالمؤمنین…«.
ـ «إلى أین؟«.
ـ نرید العمرة.
فرمقهما الإمام بطرفه، و عرفهما ما یریدان قائلا لهما:
»و الله ما العمرة تریدان، بل الغدرة و نکث البیعة..«.
فأقسما له بالإیمان المغلظة أنهما لا یخلعان بیعته، و أنهما یریدان أن یعتمرا بالبیت الحرام، و طلب منهما الإمام أن یعیدا له البیعة ثانیا، ففعلا دون تردد، و مضیا منهزمین إلى مکة یثیران الفتنة، و یلحقان بعائشة لیتخذوها واجهة لتمردهما على الحق و شق کلمة المسلمین.
1) یرید به سعد بن أبی وقاص فإنه امتنع عن بیعة الإمام علیه السلام و الذی دفعه على ذلک حقده له.