جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

ضرورة الصلح

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و درس الإمام الحسن علیه السلام الموقف من جمیع جوانبه و وجوهه و رأى أنه بین محذورین و هما:

الأول: أن یناجز معاویة و یفتح معه باب الحرب، و هذا ما یطلبه و یبغیه لإنقاذ العالم الإسلامی من هذا العدو الظالم الذی یکید له فی اللیل إذا یغشى و فی النهار إذا تجلى، فحربه أمر لازم و ضروری، ولکن ذلک لا سبیل له، و لا تساعده الحکمة و عمق النظر و ذلک لما یلی:

1ـ إنه لیس عند الإمام قوة عسکریة یستطیع أن یخوض بها الحرب، فإن الأکثریة الساحقة من جیشه قد استجابت لمعاویة، و آثرت السلم و العافیة.

2ـ إن معاویة قد أرشى معظم قادة الفرق فی جیش الإمام، فصاروا طوع إرادته، و ضمنوا إنجاز ما یرید من اغتیال الإمام أو تسلیمه له أسیرا.

3ـ إن من المؤکد أن معاویة هو الذی ینجح فی الحرب ـ حسب الفنون العسکریةـ فإذا استشهد الإمام فإنه لا یستشهد وحده، و إنما یستشهد معه جمیع أفراد اسرته و خلص شیعته، و لا تستفید القضیة الإسلامیة من تضحیتهم شیئا، فإن دهاء معاویة و ما یتمتع به من وسائل المکر و الخداع یجعل تبعة ذلک على الإمام، و بذلک یخسر العالم الإسلامی أهم رصید روحی و فکری.

4ـ إن الإمام إذا لم یستشهد و اخذ أسیرا لمعاویة، فإن من المحقق أنه یمن علیه، و یوصمه مع بقیة أهل البیت بالطلقاء، و یسجل له بذلک یدا على العلویین

و یمحو عنه و عن الامویین و صمة الطلقاء التی أطلقها علیهم النبی صلى الله علیه و آله حینما فتح مکة.

الثانی: أن یصالح معاویة على ما فی الصلح من قذى العین و شجا الحلق، و هذا هو المتعین فی عرف السیاسة و قوانین الحکمة، و له مرجحاته الواقعیة و الظاهریة التی أشرنا إلیها.

و کان من أعظم فوائد الصلح و من أهم ثمراته إبراز الواقع الاموی الذی خفی على المسلمین فقد تظاهر الامویون بالإسلام، و أشاعوا أنهم حماة الدین، و أقرب الناس إلى النبی صلى الله علیه و آله و أمسهم رحما به، و بعد الصلح انکشف زیفهم، و ظهر واقعهم الجاهلی، فقد تفجرت سیاسة معاویة بکل ما خالف کتاب الله و سنة نبیه، فقد أعلن بعد الصلح مباشرة أمام الحشود فخاطب أهل العراق قائلا:

إنی ما قاتلتکم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتزکوا و لا لتحجوا و إنما قاتلتکم لأتأمر علیکم، و قد أعطانی الله ذلک، و إنی قد أعطیت الحسن بن علی شروطا لا أفی بواحد منها و ها هی تحت قدمی.

ولو لم یکن للصلح من فائدة إلا إبراز حقیقة معاویة و تجریده من کل إطار دینی لکفى، فقد أبرز معاویة واقعه بهذا الخطاب، فهو لم یقاتل أهل العراق من أجل الطلب بدم عثمان، و لا من أجل ظاهرة إسلامیة، و إنما قاتلهم من أجل الإمرة و السلطان، ولو کان یملک ذرة من الشرف و الکرامة لما فاه بذلک، و لما أعلن نقضه للعهود و المواثیق التی أعطاها للإمام الحسن علیه السلام.

و على أی حال فإنا قد بسطنا القول بصورة موضوعیة و شاملة فی بیان ضرورة الصلح، و إنه هو المتعین على الإمام شرعا و سیاسة فی کتابنا (حیاة الإمام الحسن علیه السلام(، کما استوفینا البحث من الشروط التی شرطها الإمام على معاویة و التی لم یف بشیء منها، فمن أراد الإلمام بهذه البحوث علیه بمراجعة الکتاب.