جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

سریة اسامة

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و رأى النبی صلى الله علیه و آله و هو المرحلة الأخیرة من حیاته التیارات الحزبیة التی صممت على إقصاء عترته عن قیادة الامة، فرأى أن خیر وسیلة یتدارک بها الموقف

أن یزج بجمیع أصحابه فی بعثة عسکریة حتى إذا وافاه الأجل المحتوم تکون عاصمته خالیة من العناصر المضادة لولی عهده، فأسند قیادة البعثة إلى اسامة بن زید، و هو شاب فی مقتبل العمر، و کان من بین الجنود أبوبکر و عمر و أبوعبیدة بن الجراح، و بشیر بن سعد (1)

و قال النبی لاسامة: «سر إلى موضع قتل أبیک، فأوطئهم الخیل، فقد ولیتک هذا الجیش، فاغز صباحا على أهل أبنى (2)، و حرق علیهم، و أسرع السیر لتسبق الأخبار، فإن أظفرک الله علیهم فاقلل اللبث فیهم، وخذ معک الأدلاء، و قدم العیون و الطلائع معک..(.

و منی الجیش بالتمرد و عدم الطاعة، فلم یلتحق أعلام الصحابة بوحداتهم العسکریة، و لما علم النبی صلى الله علیه و آله بذلک تألم، فخرج مع ما به من المرض، فحث الجند على المسیر، و عقد بنفسه اللواء لاسامة، و قال له: «اغز بسم الله، و فی سبیل الله، و قاتل من کفر بالله..«.

فخرج اسامة بلوائه معقودا، و دفعه إلى بریدة، و عسکر بـ (الجرف(، و تثاقل جمع من الصحابة عن الالتحاق بالمعسکر، و أظهروا الطعن و الاستخفاف باسامة القائد العام للجیش، یقول له عمر: مات رسول الله و أنت علی أمیر…

و انتهت کلماته إلى النبی، و قد أخذت منه الحمى مأخذا عظیما، فخرج و هو معصب الرأس قد برح به المرض، فصعد المنبر و التأثر باد علیه، فقال:

»أیها الناس، ما مقالة بلغتنی عن بعضکم فی تأمیری اسامة، و لئن طعنتم فی

تأمیری اسامة لقد طعنتم فی تأمیری أباه من قبله، و أیم الله، إنه کان خلیقا بالإمارة و ان ابنه من بعده لخلیق بها..(.

ثم نزل عن المنبر و دخل بیته و التأثر باد علیه (3) و جعل یوصی أصحابه بالالتحاق بالجیش قائلا: «جهزوا جیش اسامة..«.

»نفذوا جیش اسامة..«.

»لعن الله من تخلف عن جیش اسامة..«.

و لم ترهف عزائم القوم هذه الأوامر المشددة، فقد تثاقلوا عن الالتحاق بالجیش، و اعتذروا للرسول بشتى المعاذیر، و هو صلى الله علیه و آله لم یمنحهم العذر، و إنما أظهر لهم السخط و عدم الرضا، فقد استبانت له بصورة جلیة نیاتهم و تآمرهم، کما عرفوا قصده بهذا الاهتمام البالغ من إخراجهم من یثرب.


1) کنز العمال: 5: 312. الطبقات الکبری: 4: 46. تأریخ الخمیس: 2: 46.

2) ابنى: ناحیة بالبلقاء من أرض سوریا، بین عسقلان و الرملة، تقع بالقرب من مؤتة، و هی التی استشهد فیها زید بن حارثة و جعفر الطیار.

3) السیرة الحلبیة: 3: 34.