جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

حکومة الإمام

زمان مطالعه: 3 دقیقه

و بعدما أطاح الثوار بحکومة عثمان أحاطوا بالإمام أمیرالمؤمنین و هم یهتفون بحیاته، و یعلنون ترشیحه لقیادة الامة فلیس غیره أولى و أحق بهذا المرکز الخطیر، فهو ابن عم النبی صلى الله علیه و آله و أبو سبطیه، و من کان منه بمنزلة هارون من موسى،

و هو صاحب المواقف المشهورة فی نصرة الإسلام و الذب عنه، و لیس فی المسلمین من یساویه فی فضائله و علومه و عبقریاته، إلا أن الإمام رفض دعوتهم، و لم یستجب لهم لعلمه بما سیواجهه من الأزمات السیاسیة، فإن منهجه فی عالم الحکم یتصادم مع رغبات الاسر القرشیة التی ترید السیطرة على السلطة، و إخضاعها لرغباتها الخاصة، فقال علیه السلام للثوار:

»لا حاجة لی فی أمرکم فمن اخترتم رضیت به..«.

فهتفوا بلسان واحد: «ما نختار غیرک«.

و عقدت القوات المسلحة مؤتمرا خاصا عرضت فیه ما تواجهه الامة من الأخطار إن بقیت بلا إمام یدیر شؤونها، و قد قررت إحضار المدنیین و إرغامهم على انتخاب إمام للمسلمین، فلما حضروا هددوهم بالتنکیل إن لم ینتخبوا إماما و خلیفة للمسلمین، ففزعوا إلى الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام و أحاطوا به رافعین عقیرتهم:

البیعة.. البیعة..

فامتنع الإمام من إجابتهم، فأخذوا یتضرعون إلیه قائلین: «أما ترى ما نزل بالإسلام، و ما ابتلینا به من أبناء القرى«.

فأجابهم الإمام بالرفض الکامل قائلا: «دعونی، و التمسوا غیری..«.

ثم أعرب لهم الإمام عما ستعانیه الامة من الأزمات قائلا: «أیها الناس، إنا مستقبلون أمرا له وجوه و له ألوان لا تقوم به القلوب، و لا تثبت له العقول..«.

لقد کشف الإمام عما سیواجهه المسلمون من الأحداث المروعة التی تعصف بالحلم و تمید بالصبر، الناجمة من الحکم المباد الذی عاث فسادا فی الأرض، فقد أقام عثمان اسرته حکاما و ولاة على الأقالیم الإسلامیة، فاستأثروا بأموال المسلمین و احتکروها لأنفسهم، و إنهم حتما سیقاومون کل من یرید الإصلاح الاجتماعی، فلذلک امتنع الإمام من إجابة القوم.

ثم عرض الإمام على القوات المسلحة، و على الصحابة و غیرهم منهجه فیما إذا ولی امورهم قائلا:

»إنی إن أجبتکم رکبت بکم ما أعلم، و إن ترکتمونی فإنما أنا کأحدکم، ألا و إنی من أسمعکم و أطوعکم لمن ولیتموه..«.

و استجاب الجمیع لما عرضه الإمام علیهم قائلین: «ما نحن بمفارقیک حتى نبایعک«.

و أجلهم الإمام إلى الغد لینظر فی الامور، و لما أصبح الصبح هرعت الجماهیر إلى الجامع الأعظم، فأقبل الإمام فاعتلى أعواد المنبر فخطب الناس، و کان من جملة خطابه:

»أیها الناس، إن هذا أمرکم لیس لأحد فیه حق إلا من أمرتم، و قد افترقنا بالأمس، و کنت کارها لأمرکم، فأبیتم إلا أن أکون علیکم، ألا و إنه لیس لی أن آخذ درهما دونکم، فإن شئتم قعدت لکم و إلا فلا آخذ على أحد..«.

و تعالى هتاف الجماهیر بالتأیید و الرضا قائلین: «نحن على ما فارقناک علیه بالأمس«.

و طفق الإمام قائلا: «اللهم اشهد علیهم..«.

و قد اتجهت الناس کالموج صوب الإمام لتبایعه، و أول من بایعه طلحة فبایعه بیده الشلاء التی سرعان ما نکث بها عهد الله فتطیر منها الإمام و قال:

»ما أخلفه أن ینکث..» (1)

ثم بایعه الزبیر و هو ممن نکث بیعته، و بایعته القوات العسکریة، کما بایعه

من بقی من أهل بدر و المهاجرین و الأنصار کافة (2)، و لم یظفر أحد من خلفاء المسلمین بمثل هذه البیعة فی شمولها، و قد فرح بها المسلمون و ابتهجوا و وصف الإمام علیه السلام مدى سرورهم بقوله:

»و بلغ من سرور الناس ببیعتهم إیای أن ابتهج بها الصغیر و هدج إلیها الکبیر، و تحامل نحوها العلیل، و حسرت إلیها الکعاب..«.

لقد ابتهج المسلمون، و عمت الفرحة الکبرى جمیع الأوساط الإسلامیة بخلافة الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام رائد العدالة الاجتماعیة، و المتبنی لحقوق الإنسان الذی شارک البؤساء و المحرومین فی سغبهم و محنهم، القائل:

»أأقنع من نفسی بأن یقال أمیرالمؤمنین، و لا اشارکهم فی مکاره الدهر، أو أکون اسوة لهم فی جشوبة العیش«.


1) العقد الفرید: 3: 93.

2) حیاة الإمام الحسن بن علی علیهماالسلام: 1: 376.