و انتخب الوغد الأثیم عبیدالله بن زیاد عمر بن سعد قائدا عاما لقواته المسلحة، و کان ابن سعد من أخس الناس و من أرذلهم، و لا یملک أی رصید من الشرف و الکرامة، و کان ضعیف النفس خائر العزیمة، لقد انتخبه ابن زیاد لأفظع جریمة منذ خلق الله الأرض، فقاد الجیوش لحرب ابن رسول الله صلى الله علیه و آله و أحاط به من کل جانب، و فرض علیه الحصار فاستولى على جمیع الطرق مخافة أن یصل إلیه أی إمداد من الخارج.
کما عهد إلى أربعة آلاف فارس بقیادة المجرم عمرو بن الحجاج فاحتلوا نهر الفرات و جمیع الشرائع و الأنهر المتفرعة منه، و قد حیل بین الإمام الحسین و بین الماء قبل قتله بثلاثة أیام (1)
و قد عانت العقیلة أعظم المحن، فقد أحاطت بها الأطفال و حرائر الرسالة و هم یعجون من ألم الظمأ، و هی تصبرهم و تمنیهم بوصول الماء إلیهم، لقد ذاب قلبها رحمة و حنانا على أطفال أخیها الذین ذبلت شفاههم و ذوى عودهم.
یقول أنور الجندی:
و ذئاب الشرور تنعم بالماء
و أهل النبی من غیر ماء
یا لظلم الأقدار یظمأ قلب
اللیث و اللیث موثق الأعضاء
و صغار الحسین یبکون فی الصحراء
یا رب أین غوث القضاء
إن جمیع الشرائع و المذاهب لا تبیح منع الماء عن الأطفال و النساء، فالناس جمیعا شرکاء فیه، ولکن شریعة آل أبی سفیان التی تحکی طباع الاسر القرشیة التی أبت أن تجتمع الخلافة و النبوة فی بیت واحد هی التی حرمت الماء على آل الرسول صلى الله علیه و آله.
1) مرآة الزمان فی تواریخ الأعیان: 89.