و انتهى النبأ المروع بشهادة البطل مسلم بن عقیل إلى الإمام الحسین حینما کان فی زرود، فقد أقبل رجل من أهل الکوفة، فلما رأى الحسین عدل عن الطریق فتبعه بعض أصحاب الإمام فالتقیا به و انتسبا له، و سألاه عن خبر الکوفة، فقال: إنه لم یخرج منها حتى قتل مسلم بن عقیل و هانئ بن عروة، و رآهما یجران بأرجلهما فی الأسواق، و أسرعا إلى الإمام فقالا له: رحمک الله، إن عندنا خبرا إن شئت
حدثناک به علانیة و إن شئت سرا.
و نظر الإمام إلى أصحابه فقال: «ما دون هؤلاء سر«.
و أخبراه بما سمعاه من الرجل من شهادة مسلم و هانئ، فکان هذا النبأ کالصاعقة على العلویین فانفجروا بالبکاء على فقیدهم العظیم حتى ارتج الموضع من شدة البکاء، و التفت الإمام إلى بنی عقیل فقال لهم: «ما ترون فقد قتل مسلم..«.
و وثبت الفتیة کالأسود الضاربة، و هم یعلنون استهانتهم بالموت و تصمیمهم على الشهادة قائلین: لا و الله لا نرجع حتى نصیب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم.
و راح الإمام یقول: «لا خیر فی العیش بعد هؤلاء.
و تمثل علیه السلام بهذین البیتین:
سأمضی و ما بالموت عارعلى الفتى
إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما
فإن مت لم أندم و إن عشت لم ألم
کفى بک عارا أن تذل و ترغما (1)
لقد مضى إلى ساحات الجهاد مرفوع الرأس، و هو على یقین لا یخامره شک فی أنه یسیر إلى الفتح الذی لا فتح و لا ظفر مثله.
1) الدر النظیم: 167.