و لم تهدأ عقیلة الرسالة، فقد هامت فی تیارات مذهلة من الأسى و الشجون، فکانت على علم أن لیلة العاشر من المحرم هی آخر لیلة لأهلها، و هم على قید الحیاة، و قد وجلت على أخیها فمضت تراقب خیم الهاشمیین و الأصحاب، لتسمع ما یدور عندهم من حدیث، فانبرت إلى خیمة أخیها قمر بنی هاشم و قد اجتمع فیها فتیان بنی هاشم، و قد أحاطوا بسیدهم أبی الفضل، فسمعته یخاطب الهاشمیین قائلا:
»إخوتی و بنی اخوتی و أبناء عمومتی، إذا کان الصباح فما تصنعون؟«.
فهبوا جمیعا قائلین: الأمر إلیک.
»إن أصحابنا و أنصارنا قوم غرباء، و الحمل ثقیل لا یقوم إلا بأهله، فإذا کان الصباح کنتم أول من یبرز للقتال، فنسبق أنصارنا إلى الموت لئلا یقول الناس قدموا أصحابهم..«.
و لم ینته من مقالته حتى هبوا قائلین: نحن على ما أنت علیه.
ثم مضت العقیلة إلى خیمة حبیب بن مظاهر عمید أصحاب الإمام، و قد أحاط به الأصحاب، فسمعته یحدثهم قائلا: یا أصحابی، إذا کان الصباح ماذا تفعلون؟
ـ الأمر إلیک.
ـ إذا صار الصباح کنا أول من یبرز إلى القتال، نسبق بنی هاشم إلى الموت، فلا نرى هاشمیا مضرجا بدمه، لئلا یقول الناس قد بدأوهم إلى القتال، و بخلنا علیهم بأنفسنا.
و استجابت الصفوة الطاهرة لمقالة زعیمهم حبیب، و راحوا یقولون: نحن على ما أنت علیه.
و سرت زینب بوفاء الأنصار و تصمیمهم على نصرة أخیها، و الذب عنه حتى النفس الأخیر من حیاته، و انطلقت العقیلة إلى أخیها فأخبرته بما سمعت من الهاشمیین و الأنصار من الذود عنه، و حمایته من کل سوء و مکروه، و أخبرها الإمام أنهم من أنبل الناس، و من أکثرهم شهامة و إیمانا، و أن الله تعالى قد اختارهم من بین عباده لنصرته، و الوقوف معه لمناجزة القوى المنحرفة و المعادیة للإسلام.