و حزن الإمام زین العابدین أشد ما یکون الحزن حینما رأى جثمان أبیه و جثث أهل بیته و أصحابه منبوذة بالعراء لم ینبر أحد إلى مواراتها، و بصرت به العقیلة و هو یجود بنفسه، فقالت له:
»ما لی أراک تجود بنفسک یا بقیة جدی و اخوتی، فوالله إن هذا لعهد من الله إلى جدک و أبیک، و لقد أخذ الله میثاق اناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، و هم معروفون فی أهل السماوات، إنهم یجمعون هذه الأعضاء المقطعة و الجسوم
المضرجة فیوارونها، و ینصبون بهذا الطف علما لقبر أبیک سید الشهداء لا یدرس أثره، و لا یمحى رسمه على کرور اللیالی و الأیام، و لیجتهدن أئمة الکفر و أشیاع الضلال فی محوه و طمسه فلا یزداد أثره إلا علوا..» (1)
و أزالت سیدة النساء ما ألم بابن أخیها من الحزن العمیق، فقد أحاطته علما بما سمعته من جدها و أبیها من قیام جماعة من المؤمنین بمواراة الجثث الطاهرة و سینصب لهم علم لا یمحى أثره حتى یرث الله الأرض و من علیها.
و قد جد الأقزام من ملوک الامویین و إخوانهم العباسیین على محو تلک المراقد العظیمة فلم تزدد إلا علوا، و بقیت شامخة على الدهر کأعز مراقد على وجه الأرض.
لقد مضت ذکرى أبی الأحرار تملأ الدنیا إشراقا و فخرا کأسمى ذکرى تعتز بها الإنسانیة فی جمیع أدوارها.
1) کامل الزیارات: 221.