و لما روى المجرم الخبیث ابن مرجانة أحقاده من رأس ریحانة رسول الله صلى الله علیه و آله التفت إلى عائلة الإمام الحسین فرأى سیدة منحازة فی ناحیة من مجلسه، و علیها أرذل الثیاب و قد حفت بها المهابة و الجلال.
فانبرى ابن مرجانة سائلا عنها، فقال: من هذه التی انحازت ناحیة و معها نساؤها؟
فأعرضت عنه احتقارا و استهانة به، و کرر السؤال فلم تجبه فانبرت إحدى السیدات فأجابته: هذه زینب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله علیه و آله.
فالتاع الخبیث الدنس من احتقارها له، و اندفع یظهر الشماتة بلسانه الألکن قائلا: الحمد لله الذی فضحکم و قتلکم، و أبطل احدوثتکم.
فثارت حفیدة الرسول صلى الله علیه و آله و أجابته بشجاعة أبیها محتقرة له قائلة: «الحمد لله الذی أکرمنا بنبیه، و طهرنا من الرجس تطهیرا، إنما یفتضح الفاسق و یکذب الفاجر، و هو غیرنا، یابن مرجانة» (1)
و کانت هذه الکلمات کالصاعقة على رأس هذا الوضر الخبیث، لقد قالت هذا القول الصارم و هی مع بنات رسول الله صلى الله علیه و آله فی قید الأسر قد نصبت فوق رؤوسهن حراب الظالمین و شهرت علیهن سیوف الشامتین.
و لم یجد ابن مرجانة کلاما یجیب به سوى التشفی قائلا: کیف رأیت صنع
الله بأخیک؟
فأجابته حفیدة الرسول، و مفخرة الإسلام بکلمات الظفر و النصر لها و لأخیها قائلة: «ما رأیت إلا جمیلا، هؤلاء قوم کتب الله علیهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، و سیجمع الله بینک و بینهم، فتحاج و تخاصم، فانظر لمن الفلج یومئذ، ثکلتک أمک یابن مرجانة..«.
و فقد الحقیر الدنس إهابه من هذا التبکیت، و الاحتقار اللاذع، فهم أن یضرب العقیلة فنهاه عمرو بن حریث و قال له: إنها امرأة لا تؤاخذ بشیء من منطقها.
یالله، یا للمسلمین، ابن مرجانة یروم أن یعتدی على عقیلة بنی هاشم و حفیدة الرسول.
إن المسؤول عن هذا الاعتداء الصارخ على الأسرة النبویة و على عقائل الوحی مؤتمر السقیفة و الشورى، فهم الذین سلطوا على المسلمین الامویین خصوم الإسلام و أعداء البیت العلوی، و حجبوا آل البیت عن القیادة الروحیة لهذه الامة.
و على أی حال، فإن ابن مرجانة التفت إلى العقیلة مظهرا لها التشفی بقتل أخیها قائلا: لقد شفى الله قلبی من طاغیتک و العصاة المردة من أهل بیتک.
و غلب الأسى و الحزن على العقیلة من هذا التشفی الآثم، و تذکرت حماتها الصفوة من الاسرة النبویة، فأدرکتها لوعة الأسى، و قالت: «لعمری لقد قتلت کهلی، و قطعت فرعی، و اجتثثت أصلی، فإن کان هذا شفاؤک فقد اشتفیت«.
و تهافت غیظ ابن مرجانة، و راح یقول: هذه سجاعة، لعمری لقد کان أبوها سجاعا شاعرا.
فردت علیه العقیلة: «إن لی عن السجاعة لشغلا، ما للمرأة و السجاعة» (2)
ما أخس هذه الحیاة و ما ألأمها التی جعلت حفیدة الرسول أسیرة عند ابن مرجانة، و هو یبالغ فی احتقارها.
1) تاریخ الامم و الملوک: 6: 263.
2) الإرشاد / المفید: 2: 116. مثیر الأحزان: 70 و 71. اللهوف: 94. تاریخ الامم و الملوک: 4: 651 و 652. الفتوح: 5: 122 و 123.