من النزعات الفذة التی تسلحت بها مفخرة الإسلام و سیدة النساء زینب علیهاالسلام هی الصبر على نوائب الدنیا و فجائع الأیام، فقد تواکبت علیها الکوارث منذ فجر الصبا، فرزئت بجدها الرسول صلى الله علیه و آله الذی کان یحدب علیها، و یفیض علیها بحنانه و عطفه.
و شاهدت الأحداث الرهیبة المروعة التی دهمت أباها و أمها بعد وفاة جدها، فقد اقصی أبوها عن مرکزه الذی أقامه فیه النبی صلى الله علیه و آله، و أجمع القوم على هضم امها حتى توفیت و هی فی روعة الشباب و غضارة العمر، و قد کوت هذه الخطوب قلب العقیلة إلا أنها خلدت إلى الصبر.
و توالت بعد ذلک علیها المصائب، فقد رأت شقیقها الإمام الحسن الزکی علیه السلام قد غدر به أهل الکوفة، حتى أضطر إلى الصلح مع معاویة الذی هو خصم أبیها و عدوه الألد، و لم تمض سنین یسیرة حتى اغتاله بالسم، و شاهدته و هو یتقیأ دما من شدة السم حتى لفظ أنفاسه الأخیرة.
و کان من أقسى ما تجرعته من المحن و المصاعب یوم الطف، فقد رأت شقیقها الإمام الحسین علیه السلام قد استسلم للموت لا ناصر له و لا معین، و شاهدت الکواکب المشرقة من شباب العلویین صرعى قد حصدتهم سیوف الامویین، و شاهدت الأطفال الرضع یذبحون أمامها.
إن أی واحدة من رزایا سیدة النساء زینب لو ابتلی بها أی إنسان مهما تذرع
بالصبر و قوة النفس لأوهنت قواه، و استسلم للضعف النفسی، و ما تمکن على مقاومة الأحداث، ولکنها سلام الله علیها قد صمدت أمام ذلک البلاء العارم، و قاومت الأحداث بنفس آمنة مطمئنة راضیة بقضاء الله تعالى و صابرة على بلائه، فکانت من أبرز المعنیین بقوله تعالى: (و بشر الصابرین- الذین إذا أصابتهم مصیبة قالوا إنا لله و إنا إلیه راجعون- أولئک علیهم صلوات من ربهم و رحمة) (1)
و قوله تعالى: (إنما یوفى الصابرون أجرهم بغیر حساب) (2)
و قوله تعالى: (و لنجزین الذین صبروا أجرهم بأحسن ما کانو یعملون) (3)
لقد صبرت حفیدة الرسول صلى الله علیه و آله و أظهرت التجلد و قوة النفس أمام أعداء الله، و قاومتهم بصلابة و شموخ، فلم یشاهد فی جمیع فترات التاریخ سیدة مثلها فی قوة عزیمتها و صمودها أمام الکوارث و الخطوب.
یقول الحجة الشیخ هادی آل کاشف الغطاء فی صبرها و عظیم محنتها:
لله صبر زینب العقـیلة
کم شاهدت مصائبا مهولة
رأت من الخطوب و الرزایا
أمرا تهون دونه المنایا
رأت کرام قومها الأماجد
مجـزرین فی صعید واحد
تسفی على جسومها الریاح
و هی لذؤبان الفلا تباح
رأت رؤوسا بالقـنا تشال
و جثثا أکفانها الرمال
رأت رضیعا بالسهام یفطم
و صبیة بعد أبیهم أیتموا
رأت شماتة العدو فیها
و صنعه ما شاء فی أخیها
و إن من أدهى الخطوب السود
وقوفها بین یدی یزید
و قال السید حسن البغدادی:
یا قلب زینب ما لاقیت من محن
فیک الرزایا و کل الصبر قد جمعا
لو کان ما فیک من صبر و من محن
فی قلب أقوى جبال الأرض لانصدعا
یکفیک صبرا قلوب الناس کلـهم
تفطرت للذی لاقیته جزعا
لقد قابلت العقیلة ما عانته من الکوارث المذهلة و الخطوب السود بصبر یذهل کل کائن حی.
1) البقرة 2: 155ـ 157.
2) الزمر 39: 10.
3) النحل 16: 96.