و لم یشاهد الناس فی جمیع مراحل التاریخ أشجع و لا أربط جأشا و لا أقوى جنانا من الاسرة النبویة الکریمة، فالإمام أمیرالمؤمنین (سلام الله علیه) عمید العترة الطاهرة کان من أشجع خلق الله، و هو القائل: «لو تظاهرت العرب على قتالی لما ولیت عنها«.
و قد خاض أعنف المعارک و أشدها قسوة، فجندل الأبطال، و ألحق بجیوش الشرک أفدح الخسائر، و قد قام الإسلام عبل الذراع مفتول الساعد بجهاده و جهوده، فهو معجزة الإسلام الکبرى.
و کان ولده أبو الأحرار الإمام الحسین علیه السلام مضرب المثل فی بسالته و شجاعته، فقد حیر الألباب و أذهل العقول بشجاعته و صلابته و قوة بأسه، فقد وقف یوم العاشر من المحرم موقفا لم یقفه أی أحد من أبطال العالم، فإنه لم ینهار أمام تلک النکبات المذهلة التی تعصف بالحلم و الصبر، فکان یزداد انطلاقا و بشرا کلما ازداد
الموقف بلاء و محنة، فإنه بعدما صرع أصحابه و أهل بیته زحف علیه الجیش بأسره و کان عدده – فیما یقول الرواة – ثلاثین ألفا فحمل علیهم وحده، و قد طارت أفئدتهم من الخوف و الرعب، فانهزموا أمامه کالمعزى إذا شد علیها الذئب ـ على حد تعبیر بعض الرواةـ و بقی صامدا کالجبل یتلقى الطعنات و السهام من کل جانب، لم یوهن له رکن، و لم تضعف له عزیمة.
یقول العلوی السید حیدر:
فتلقى الجموع فردا ولکن
کل عضو فی الروع منه جموع
رمحه من بنانه و کأن من
عزمه حد سیفه مطبوع
زوج السـیف بالنفوس ولکن
مهرها الموت و الخضاب النجیع
و لما سقط (سلام الله علیه) على الأرض جریحا قد أعیاه نزف الدماء تحامى الجیش الاموی من الإجهاز علیه خوفا و رعبا منه.
یقول السید حیدر:
عفیرا متى عاینته الکماة
یختطف الرعب ألوانها
فما أجلت الحرب عن مثله
صریعا یجبن شجعانها
و تمثلت هذه البطولة العلویة بجمیع صورها و ألوانها عند حفیدة الرسول و عقیلة بنی هاشم السیدة زینب (سلام الله علیها(، فإنها لما مثلت أمام الإرهابی المجرم سلیل الأدعیاء ابن مرجانة احتقرته و استهانت به.
فاندفع الأثیم یظهر الشماتة بلسانه الألکن قائلا: الحمد لله الذی فضحکم، و قتلکم، و کذب احدوثتکم…
فانبرت حفیدة الرسول بشجاعة و صلابة قائلة: «الحمد لله الذی أکرمنا بنبیه،
و طهرنا من الرجس تطهیرا، إنما یفتضح الفاسق و یکذب الفاجر، و هو غیرنا، یابن مرجانة..» (1)
لقد قالت هذا القول الصارم الذی هو أمض من السلاح، و هی و المخدرات من آل محمد فی قید الأسر، و قد رفعت فوق رؤوسهن رؤوس حماتهن، و شهرت علیهن سیوف الملحدین.
لقد أنزلت العقیلة ـ بهذه الکلمات ـ الطاغیة من عرشه إلى قبره، و عرفته أمام خدمه و عبیده أنه المفتضح و المنهزم، و أن أخاها هو المنتصر.
و لم یجد ابن مرجانة کلاما یقوله سوى التشفی بقتل عترة رسول الله صلى الله علیه و آله، قائلا: کیف رأیت صنع الله بأخیک..؟ (2)
و انطلقت عقیلة بنی هاشم ببسالة و صمود، فأجابت بکلمات الظفر و النصر لها و لأخیها قائلة: «ما رأیت إلا جمیلا، هؤلاء قوم کتب الله علیهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، و سیجمع الله بینک و بینهم، فتحاح و تخاصم، فانظر لمن الفلج یومئذ، ثکلتک امک یابن مرجانة..«.
أرأیتم هذا التبکیت الموجع؟
أرأیتم هذه الشجاعة العلویة؟ فقد سجلت حفیدة الرسول صلى الله علیه و آله بموقفها و کلماتها فخرا للإسلام و عزا للمسلمین و مجدا خالدا للاسرة النبویة.
أما موقفها فی بلاط یزید، و موقفها مع الشامی و خطابها الثوری الخالد فقد هز العرش الاموی، و کشف الواقع الجاهلی لیزید و من مکنه من رقاب المسلمین، و سنعرض لخطابها و سائر مواقفها المشرفة فی البحوث الآتیة.
1) تاریخ الامم و الملوک: 6: 263.
2) زینب الکبری: 61.