و انبرى شیخ هرم یتوکأ على عصاه لیمتع نظره بالسبایا، فدنا من الإمام زین العابدین فرفع عقیرته قائلا: الحمدلله الذی أهلککم و أمکن الأمیر منکم.
و بصر به الإمام فرآه مخدوعا قد ضللته الدعایة الامویة فقال له: «یا شیخ، أقرأت القرآن؟«.
فبهت الشیخ من أسیر مکبول، فقال له بدهشة: بلى.
»أقرأت قوله تعالى: (قل لا أسألکم علیه أجرا إلا المودة فی القربى) (1)
و قوله تعالى: (و آت ذا القربى حقه) (2)
و قوله تعالى: (و اعلموا أنما غنمتم من شیء فأن لله خمسه و للرسول و لذی القربى) (3)؟«.
و بهر الشیخ و تهافت فقال: نعم، قرأت ذلک.
فقال له الإمام: «نحن و الله القربى فی هذه الآیات..
یا شیخ، أقرأت قوله تعالى: (إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت و یطهرکم تطهیرا) (4)؟«.
ـ بلى.
ـ «نحن أهل البیت الذین خصهم الله بالتطهیر«.
و لما سمع الشیخ ذلک من الإمام ذهبت نفسه حسرات على ما فرط فی أمر نفسه، و تلجلج و قال للإمام بنبرات مرتعشة: بالله علیکم أنتم هم؟
ـ «و حق جدنا رسول الله صلى الله علیه و آله إنا لنحن هم من غیر شک…«.
وود الشیخ أن الأرض قد وارته و لم یجابه الإمام بتلک الکلمات القاسیة، و ألقى بنفسه على الإمام و هو یوسع یدیه تقبیلا، و دموعه تجری على سحنات وجهه قائلا: أبرأ إلى الله ممن قتلکم.
و طلب من الإمام أن یمنحه العفو و الرضا فعفا الإمام عنه (5)
1) الشوری 42: 23.
2) الإسراء 17: 26.
3) الأنفال 8: 41.
4) الأحزاب 33: 33.
5) اللهوف: 102 و 103. الصواعق المحرقة: 170.