جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الحکم الأسود

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و خیم على العالم الإسلامی حکم إرهابی عنیف لا یخضع لعرف و لا لقانون، و لا یستجیب لأیة عاطفة إنسانیة، شعاره الظلم و الاستبداد و اللامبالاة، هذا هو السمت الظاهر و الواقع لحکم یزید بن معاویة الذی بلی به المسلمون، و امتحنوا امتحانا عسیرا.

لقد عانت عقیلة بنی هاشم السیدة زینب فی عهد هذا الطاغیة أشق و أقسى ألوان المصائب و الکوارث، کما تعرضت الاسرة النبویة إلى الإبادة الشاملة، فقد جزروا کالأضاحی، و مثلت الجیوش الامویة شر تمثیل بأجسامهم الطاهرة کل ذلک کان بمرأى من حفیدة الرسول صلى الله علیه و آله، فذابت نفسها أسى و حسرات، و لم تقتصر محنتها على ذلک و إنما تعدت إلى ما هو أقسى و أشد: فقد سبیت مع عقائل الوحی و مخدرات الرسالة یطاف بهن من بلد إلى بلد.

فتارة یمثلن أمام ابن مرجانة، و اخرى فی مجلس یزید، فلم تبق محنة من محن الدنیا، و لا فاجعة من فواجع الدهر إلا جرت على حفیدة الرسول صلى الله علیه و آله فی عهد هذا الطاغیة الأثیم.

و على أی حال فقد تسلم یزید ـ بعد هلاک أبیه ـ قیادة الدولة الإسلامیة، و هو فی غضارة العمر، و ریعان الشباب لم تصقله التجارب، و لم تهذبه الأیام، قد استسلم

لشهواته و ملذاته التی کان البارز فیها سفک الدماء و إشاعة الفزع و الخوف بین الناس.

و لم یکن الطاغیة حینما وافت المنیة أباه فی دمشق، و إنما کان فی رحلة الصید فی حوارین الثنیة، فأرسل إلیه الضحاک بن قیس رسالة یعزیه بوفاة أبیه و یهنئه بالخلافة، و یطلب منه الإسراع إلى عاصمته لیتولى شؤون الحکم.

و حینما انتهت إلیه الرسالة أسرع نحو عاصمته، و معه أخواله و بنو امیة و المغنون و العابثون من أصحابه، و قد شعث فی الطریق، فأقبل الناس یسلمون علیه و یعزونه، و قد عابوا علیه ما هو فیه فانتقدوه و قالوا: هذا الأعرابی الذی ولاه معاویة أمر الناس و الله سائل عنه (1)

و مضى صوب قبر أبیه فجلس عنده و هو باکی العین و أنشأ یقول:

جاء البرید بقرطاس یخب به

فأوجس القلب من قرطاسه فزعا

قلنا لک الویل ماذا فی کتابکم

قال الخلیفة أمسى مدنفا وجعا (2)

ثم سار نحو القبة الخضراء فی موکب رسمی تحف به بنو امیة و أخواله و شرطته.


1) تاریخ الإسلام: 1: 267.

2) الکامل فی التاریخ: 3: 266.