و لم تجد مع عائشة و حزبها دعوة الإمام إلى السلم و عدم إراقة الدماء، فقد أصروا على الحرب و التمرد على الحق، فاضطر الإمام إلى مناجزتهم، فعبأ جنوده، و نظرت إلیه عائشة و هو یجول بین الصفوف فقالت: انظروا إلیه کأن فعله فعل رسول الله صلى الله علیه و آله یوم بدر، أما و الله ما ینتظر بکم إلا زوال الشمس.
و مع علمها بأن فعله کفعل رسول الله صلى الله علیه و آله کیف ساغ لها أن تحاربه، و خاطبها الإمام فقال لها:
»یا عائشة، عما قلیل لیصبحن نادمین» (1)
و أعطى الإمام خطته العسکریة لجنوده، فقال لهم:
»لا تقاتلوا القوم حتی یبدأوکم، فأنتم ـ بحمدالله ـ علی حجة و ترککم إیاهم حتی یبدأوکم حجة اخری لکم علیهم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، و لا تجهزوا على جریح، و لا تکشفوا عورة، و لا تمثلوا بقتیل، فإذا وصلتم إلی رحال القوم فلا تهتکوا سترا، و لا تدخلوا دارا إلا بإذن، و لا تأخذوا شیئا من أموالهم
إلا ما وجدتم فی عسکرهم، و لا تهیجوا امرأة بأذی و إن شتمن أعراضکم و سببن امراءکم و صلحاءکم؛ فإنهن ضعاف القوی» (2)
و مثلت هذه الوصیة الشرف و الرأفة و الرحمة، کما وضعت الاصول الفقهیة فی حرب المسلمین بعضهم مع بعض، کما أعلن ذلک بعض الفقهاء.
و اعتلت عائشة جملها المسمى بعسکر و أخذت کفا من حصباء فرمت به أصحاب الإمام علیه السلام و قالت: شاهت الوجوه.
فأجابها رجل من شیعة الإمام: یا عائشة، و ما رمیت اذ رمیت ولکن الشیطان رمى.
و تولت عائشة القیادة العامة للقوات المسلحة، فکانت هی التی تصدر الأوامر للجیش.
و بدأ القتال کأشده، و قد حمل الإمام على معسکر عائشة و قد رفع العلم بیسراه، و شهر بیمینه ذا الفقار الذی طالما کشف به الکرب عن رسول الله صلى الله علیه و آله.
و اشتد القتال، و قد بان الانکسار فی جیش عائشة و قد قتل طلحة و الزبیر و الکثیرون من قادة عسکر عائشة، و أخذت عائشة تبث فی نفوس عسکرها روح التضحیة و النضال، و قد دافعوا عنها بحماس بالغ، و قد شاعت القتلى بین الفریقین.
1) حیاة الإمام الحسن بن علی علیهماالسلام: 1: 447.
2) وقعة صفین: 266. نهج السعادة فی مستدرک نهج البلاغة: 8: 346ـ 347.