جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

استجابة الحر

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و استیقظ ضمیر الحر حینما سمع خطاب الإمام، و جعل یتأمل و یفکر فی

مصیره، و أنه لا محالة یصیر إلى النار خالدا فیها، و اختار الدار الآخرة و الالتحاق بآل النبی.

و قبل أن یتوجه إلى الإمام الحسین أسرع نحو ابن سعد فقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟

فأجابه بلا تردد لیظهر أمام قادة الفرق إخلاصه لسیده ابن مرجانة قائلا: إی و الله قتالا أیسره أن تسقط فیه الرؤوس و تطیح الأیدی.

فقال له الحر برنة المستریب: أفما لکم فی واحدة من الخصال التی عرضها علیکم رضا؟

فأجابه ابن سعد: لو کان الأمر لی لفعلت، ولکن أمیرک أبى ذلک.

و أیقن الحر أن القوم مصممون على حرب ابن رسول الله صلى الله علیه و آله، فمضى یشق الصفوف، و قد سرت الرعدة بأوصاله.

فأنکر علیه ذلک المهاجرین أوس، و هو من شرطة ابن زیاد فقال له: و الله إن أمرک لمریب، و الله ما رأیت منک فی موقف قط مثل ما أراه الآن، ولو قیل لی من أشجع أهل الکوفة لما عدوتک.

و کشف له الحر عن عزمه فقال له: إنی و الله أخیر نفسی بین الجنة و النار، و لا أختار على الجنة شیئا ولو قطعت و احرقت.

و لوى بعنان فرسه صوب الإمام (1)، و هو مطرق برأسه إلى الأرض حیاء و ندما على ما فرط فی حق الإمام، و لما دنا منه رفع صوته قائلا: اللهم إلیک انیب، فقد أرعبت قلوب اولیائک و أولاد نبیک..

یا أبا عبدالله، إنی تائب فهل لی من توبة؟

و نزل عن فرسه، و وقف قبال الإمام، و دموعه تتبلور على سحنات وجهه قائلا: جعلنی الله فداک یابن رسول الله، أنا صاحبک الذی حبستک عن الرجوع، و جعجعت بک فی هذا المکان، و والله الذی لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم یردون علیک ما عرضت علیهم أبدا، و لا یبلغون منک هذه المنزلة أبدا، فقلت فی نفسی: لا ابالی أن اطیع القوم فی بعض أمرهم، و لا یرون أنی خرجت من طاعتهم، و أما هم فیقبلون بعض ما تدعوهم إلیه، و والله لو ظننت أنهم لا یقبلونها منک ما رکبتها منک، و إنی قد جئتک تائبا مما کان منی إلى ربی، مواسیا لک بنفسی حتى أموت بین یدیک، أفترى لی توبة؟

و استبشر به الإمام، و منحه الرضا و العفو، و قال له:

»نعم یتوب الله علیک و یغفر..» (2)

و انطلق الحر بعد أن منحه الإمام العفو و قبل توبته، فخطب فی أهل الکوفة و دعاهم إلى التوبة، و نغب علیهم حصارهم للإمام، و منعه مع أهل بیته و أصحابه عن ماء الفرات الذی هو حق مشاع للجمیع، و لم یستجیبوا له، و رموه بالنبال.


1) تاریخ الامم و الملوک: 6: 244.

2) الکامل فی التاریخ: 3: 289.