جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

ارغامه على البیعة

زمان مطالعه: 3 دقیقه

و أجمع أبوبکر و سائر أعضاء حزبه على إرغام الإمام على البیعة لأبی بکر و حمله بالقوة علیها، فأرسلوا إلیه شرطتهم، فکبسوا داره و أخرجوه منها بالقسر و القوة، و جاءوا به إلى أبی بکر، فصاحوا به: بایع أبابکر…

فأجابهم الإمام بمنطقه الفیاض و حجته الحاسمة، قائلا:

»أنا أحق بهذا الأمر منکم، لا ابایعکم و أنتم أولى بالبیعة لی، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، و احتججتم علیهم بالقرابة من النبی صلى الله علیه و آله، و تأخذونه منا أهل البیت غصبا‍!

ألستم زعمتم للأنصار أنکم أولى بهذا الأمر منهم لمکان محمد صلى الله علیه و آله منکم، فأعطوکم المقادة، و سلموا إلیکم الإمارة، و أنا أحتج علیکم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله صلى الله علیه و آله حیا و میتا، فأنصفونا إن کنتم تؤمنون، و إلا فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون«.

و أعلن الإمام بهذا الخطاب الرائع أنه أولى بمرکز النبی صلى الله علیه و آله، و أحق بخلافته من غیره، فهو أقرب الناس و ألصق بالرسول صلى الله علیه و آله من المهاجرین الذین فازوا بالحکم لقربهم من النبی، فهو ابن عمه و أبو سبطیه، و لا یملک أحد من القرب إلى النبی

غیره.. و ثار ابن الخطاب بعد أن أعوزته الحجة و البرهان، فاندفع بعنف قائلا: «إنک لست متروکا حتى تبایع…«.

فزجره الإمام قائلا: «احلب حلبا لک شطره، و اشدد له الیوم أمره، یردده علیک غدا..«.

و کشف الإمام الوجه فی اندفاع ابن الخطاب و تهالکه على نصرة أبی بکر، فأنه یأمل أن ترجع إلیه الخلافة و الملک بعد أبی بکر.

و ثار الإمام و هتف قائلا: «و الله یا عمر لا أقبل قولک و لا أبایعه…«.

و خاف أبوبکر من تطور الأحداث، و خشی أن ترجع إلى المسلمین حوازب أحلامهم فیقصوه عن منصبه، فخاطب الإمام بناعم القول: «إن لم تبایع فلا اکرهک…«.

و انبرى أبوعبیدة بن الجراح و هو من أبرز حزب أبی بکر، فخاطب الإمام قائلا: «یابن عم، إنک حدث السن، و هؤلاء مشیخة قومک، لیس لک مثل تجربتهم و معرفتهم بالأمور، و لا أرى إلا أبابکر أقوى على هذا الأمر منک، و أشد احتمالا و اضطلاعا به، فسلم لأبی بکر هذا الأمر، فإنک إن تعش و یطل بک بقاء فأنت لهذا الأمر خلیق، و به حقیق فی فضلک و دینک و علمک و فهمک و سابقتک و نسبک و صهرک..«.

و لیس فی هذا القول إلا الخداع و التضلیل فإن التقدم فی السن لیس له أی ترجیح فی منصب الخلافة التی تتطلب الطاقات الخلاقة بما تحتاج إلیه الامة فی المیادین السیاسیة و الاقتصادیة و القضائیة، و لا یملک أحد من المسلمین ذلک غیر الإمام أمیرالمؤمنین علیه السلام.

و أثارت مخادعة أبی عبیدة کوامن الألم فی نفس الإمام، فانبرى یخاطب المهاجرین قائلا:

»الله الله یا معشر المهاجرین، لا تخرجوا سلطان محمد فی العرب عن داره، و قعر بیته إلى دورکم و قعر بیوتکم، و لا تدفعوا أهله عن مقامه فی الناس و حقه.. فو الله یا معشر المهاجرین! لنحن أحق الناس به لأنا أهل البیت، و نحن أحق بهذا الأمر منکم، ما کان فینا الا القارئ لکتاب الله، الفقیه فی دین الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعیة، الدافع عنهم الامور السیئة، القاسم بینهم بالسویة، و الله! إنه لفینا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبیل الله فتزدادوا من الحق بعدا» (1)

و حفلت هذه الکلمات بالصفات الرفیعة الماثلة فی أهل بیت النبوة من الفقه بدین الله، و العلم بسنن رسول الله صلى الله علیه و آله، و الإحاطة بما تحتاج إلیه الامة فی مجالاتها الاقتصادیة و السیاسیة، و لا تتوفر بعض هذه الصفات فی غیرهم، ولو أن القوم استجابوا لنداء الإمام لجنبوا العالم الإسلامی الکثیر من المشکلات و الأزمات ولکنهم انسابوا وراء أطماعهم و شهواتهم و تهالکهم على الإمرة و السلطان.

و على أی حال، فقد رجع الإمام علیه السلام إلى داره لم یبایع أبابکر، و قد أحاطت به موجات من الأسى على ضیاع حقه و حرمان الامة من قیادته، و قد التاعت سیدة النساء زینب و غزاها الحزن على ما حل بأبیها من الآلام و الکوارث، فقد رأته جالسا فی بیته یساور الهموم و الأحزان، و حوله امها سیدة نساء العالمین فاطمة الزهراء علیهاالسلام و هی تبکی أباها و تندبه بأشجى ما تکون الندبة، و قد شارکت زوجها فی مصابه على ضیاع حقه، و نهب مرکزه و مقامه.


1) الإمامه و السیاسة: 1: 11 و 12.