و أقبل الإمام مع أهل بیته و أصحابه على العبادة، فقد علموا أن تلک اللیلة هی آخر لیالی حیاتهم، و لم یذق أی واحد منهم طعم الرقاد، فقد اتجهوا بقلوبهم و عواطفهم نحو الله و هم یمجدونه و یتلون کتابه و یقیمون الصلاة، و یسألونه العفو و الغفران.
و کانوا یترقبون بشوق لا حد له طلوع الفجر لیکونوا قرابینا للإسلام و فداء لابن رسول الله صلى الله علیه و آله، و کان حبیب بن مظاهر، و هو من ألمع أصحاب الحسین، و قد خرج إلى أصحابه و هو یضحک.
فأنکر علیه بعض أصحابه و قال له: یا حبیب، ما هذه ساعة ضحک.
فأجابه حبیب عن إیمانه العمیق قائلا: أی موضع أحق من هذا بالسرور، و الله ما هو إلا أن تمیل علینا هذه الطغاة بسیوفهم فنعانق الحور العین (1)
وداعب بریر عبدالرحمن الأنصاری فاستغرب من مداعبته قائلا: ما هذه ساعة باطل.
انظروا إلى جواب بریر فقد قال: لقد علم قومی أنى ما أحببت الباطل کهلا و لا شابا، ولکنی مستبشر بما نحن لاقون، و الله ما بیننا و بین الحور العین إلا أن یمیل علینا هؤلاء بأسیافهم، وددت أنهم مالوا علینا الساعة (2)
أی إیمان هذا الذی تسلح به أصحاب الحسین، فقد فاقوا جمیع شهداء الحق و الفضیلة فی جمیع الأعصار و الآباد.
1) رجال الکشی: 53.
2) تاریخ الامم و الملوک: 6: 241.