و أوفد معاویة إلى الإمام رسله یستنجزه الوفاء بالتحکیم، و إنما طلب منه ذلک لعلمه بما اصیب به جیش الإمام من التخاذل و الفتن و الانحلال، و أجابه الإمام إلى
ذلک فأوفد أربعمائة رجل علیهم شریح بن هانئ الحارثی و هو من أجل أصحاب الإمام، کما کان معهم عبدالله بن عباس حبر الامة، و معهم قاضی التحکیم الخامل الغبی أبوموسى الأشعری، فرشاه ابن العاص بالولائم و قابله بمزید من الحفاوة و التکریم لیجعله طوع إرادته، و قد اتفق معه على أن یعزل کلا صاحبه، و یرشحا عبدالله بن عمر، و قدم ابن العاص الأشعری فاعتلى المنبر، فخلع علیا عن منصبه و کذلک خلع معاویة و رشح ابن عمر، و قام بعده ابن العاص فأقر صاحبه و خلع علیا.
و لما أعلن ابن العاص خلعه لعلی و إقامته لمعاویة انطلق صوبه الأشعری فقال له: ما لک علیک لعنة الله ما أنت إلا کمثل الکلب تلهث.
فصاح ابن العاص: لکنک مثل الحمار یحمل أسفارا.
نعم هما کلب و حمار، و هرب الأشعری إلى مکة یصحب معه الخزی و العار بعدما أحدث الفتنة و الانشقاق بین جیش الإمام، و قد أکثر شعراء ذلک العصر فی ذمه یقول فیه أیمن بن خزیم الأسدی:
لو کان للقوم رأی یعصمون به
من الضلال رموکم بابن عباس
لله در أبیه أیـما رجل
ما مثله لفصال الخطب فی الناس
لکن رموکم بشیخ من ذوی یمن
لم یدر ما ضرب أخماس بأسداس
إن یخل عمرو به یقذفه فی لجج
یهوی به النجم تیسا بین أتیاس
أبلغ لدیک علیا غیر عـاتبه
قول امرئ لا یرى بالحق من باس
ما الأشعری بمأمون أباحسـن
فاعلم هدیت و لیس العجز کالراس
فاصدم بصاحبک الأدنی زعیمهم
إن ابن عمک عباس هو الآسى
لقد امتحن الإمام کأشد و أقسى ما یکون الامتحان بهؤلاء الأوغاد الذین وقفوا
أمام الإصلاح الاجتماعی، و مکنوا الظالمین و المنحرفین من الاستبداد بامور المسلمین.